215

Napoleon a Misra

نابوليون بونابارت في مصر

Nau'ikan

فأمام هذا المطمع، ومع الشعور بذلك العجز، لا أرى مناصا من التوسط بين الممكن والمستعصي، فاكتفي بكلمات موجزة عمن لا مناص من التكلم عنهم لإيضاح قيمتهم التاريخية، ومكانتهم في التحقيق والتدقيق، مع بيان لتاريخ حياتهم ولظروفهم الخاصة.

ولست من رأي الذين ينشرون في مقدمة الكتاب أو في آخره، قائمة بأسماء الكتب التي قرءوها أو اعتمدوا عليها كمصادر لكتابهم، ما داموا قد أشاروا إلى تلك المصادر وذكروها في ذيل الصحائف أو في متنها ، وإنما أردت في هذا البحث أن أبين للقارئ قيمة المصادر وتاريخ أصحابها، ومنزلتهم في درجة تقرير الحقائق، وبعدهم أو قربهم من الأشخاص الذين كتبوا عنها فأقول: إن المصدر الذي يصح الاعتماد عليه، والثقة به أو الاقتباس منه والنقل عنه واحد من اثنين: إما معاصر وشاهد عيان - حتى ولو كان متحيزا أو ضالعا مع فريق دون فريق - وإما حجة ثقة، وباحث مفكر ممتاز بعبقرية خاصة.

فالأول من دون الحوادث والوقائع التي رآها بعينه، أو سمعها من معاصريه بأذنه، وأهل المعرفة لا يعدون ما يضعه المعاصرون من المذكرات والأخبار تاريخا بالمعنى الصحيح، لأسباب كثيرة أهمها قربهم من الحوادث، وتأثرهم بالأشخاص، واقتصارهم على تدوين الحوادث، دون إبداء الآراء، أو استنتاج الأحكام، ويصفون كتب المعاصرين بأنهم مذكرات تصلح لأن تكون مادة أو غذاء كما وصف «ميو» مذكراته متواضعا بقوله:

Memoires pour servir a l’histoire .

وأما الثاني فهو الباحث المدقق المفكر المشهود له بسعة الاطلاع والنبوغ، والذي تهيئ له الظروف، الوقوف على المعلومات والمخطوطات والمحفوظات، من الوثائق الرسمية وغير الرسمية، مما لا يتيسر لسواه من الكتاب، فإذا قيل مثلا إن «إدوارد جيبون» أو أن «اللورد ماكولي» قال كذا وكذا في تاريخه، أو إن موتتسكيو أو جيزو أو تيير، قال كيت وكيت، وأبدى رأيه في حادث أو أمر «لم يقع في زمانه»، فلا مناص من الثقة بذلك الرأي، وإحناء الرأس إجلالا لمنزلة قائله؛ لأنه حجة ثقة وآراؤه نتيجة بحث عويص مستفيض.

وليس لدينا في اللغة العربية، عن الفترة التي كتب عنها هذا الكتاب، من الفريق الأول سوى الشيخ عبد الرحمن الجبرتي الأزهري والمعلم نقولا بن يوسف الترك «أو التركي» البيروتي اللبناني:

وليس عندنا في هذه الفترة، مع الأسف الشديد، واحد من الصنف الثاني.

حقيقة أنه يوجد معاصر آخر وضع رسالة جاء فيها على شيء من تاريخ الحملة الفرنسية في مصر ونعني به الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر في ذلك الحين، وصاحب رسالة «تحفة الناظرين فيما ولي مصر من الولاة والسلاطين».

وقد سبق لنا أن جئنا على ترجمة حياة الشيخ الشرقاوي، وأشرنا إلى رسالته التي لا قيمة لها على الإطلاق، اللهم إلا من وجهة صدورها من رجل كانت له صفة العلماء، وكان شيخا للجامع الأزهر، ورئيسا للديوان في أيام الفرنسيين، ولما كانت رسالته لا تعتبر من المصادر التاريخية، وسبق لنا الكلام عنها فليس لها دخل في بحث تقدير المصادر التاريخية.

بقي الكلام عن المصدرين الآخرين وهما كتاب «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» للشيخ عبد الرحمن الجبرتي، وكتاب «ذكر تملك الفرنساوية للديار المصرية» تأليف المعلم نقولا الترك اللبناني.

Shafi da ba'a sani ba