أخبر أهل الديوان من خاص وعام، أنه يحب دين الإسلام، ويعظم النبي عليه السلام، ويحترم القرآن، ويقرأ فيه كل يوم بإتقان ... وعرفنا أن مراده يبني لنا مسجدا عظيما بمصر لا نظير له في الأقطار، وأنه يدخل في دين النبي المختار، عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
وهذا القول ينطبق تمام الانطباق على ما رواه نابوليون، فيما نقلناه آنفا، عن نفسه في سانت هيلانة، بعد تاريخ هذا المنشور بواحد وعشرين عاما!
أما اعتقاد نابوليون في الأديان وخاصة في الدين الإسلامي، فأمر يرجع فيه إلى تصريحات نابوليون وآرائه الخاصة التي نطق بها في أوقات مختلفة من حياته، وخصوصا في الجزء الأخير منها؛ أي: في السنوات الست التي قضاها في جزيرة سانت هيلانة منفيا، وحين كان يعتقد بقرب انفراط عقد الحياة ودنوه من حافة القبر، وقد لخص اللورد روزبري معتقدات نابوليون الدينية، من أحاديثه المختلفة مع لاس كاس، وانتوماراشي وجوجو وغيرهم
3
فقال ما تعريبه: «ولقد كان من أهم النقط التي تدور حولها أحاديث نابوليون في منفاه مسألة الدين، وكان الإنجيل من الكتب التي كان نابوليون يحب تلاوتها بصوت عال ...
وليس من الغريب أن تتجه أفكار نابوليون في تلك الساعات المظلمة إلى مسائل الاعتقادات الدينية ... ويؤكد «برتران» بلهجة صارمة أنه لم يحدث قط أن سمع نابوليون - سواء أكان ذلك في فرنسا أم في جزيرة ألبا، أم في جزيرة سانت هيلانة، - ينكر وجود الخالق، أو يشك في «ألوهية» المسيح، وكان نابوليون على الدوام يمنع المناقشات التي تدول حول موضوع معتقده الديني، ويقول: إنه يؤمن بما يؤمن به قسيس كنيسته!
ولكن العالم لا يقتنع بهذه المواربة، ويحب أن يقف على حقيقة اعتقاد نابوليون ورأيه في الدين، ولا نظن أن «جورجو» اخترع من عنده جميع ما كتبه في مذكراته عن أحاديث نابوليون وآرائه الدينية في سانت هيلانة.»
ثم انتقل اللود روزبري إلى بيان موجز عن اعتقاد نابوليون فذكر فيما ذكر أنه كان يميل إلى الدين الإسلامي، ويعترف أن علماء الأزهر في مصر زعزعوا أفكاره بآرائهم وحججهم، وأقنوعه بأن من يعبد ثلاثة آلهة لا يكون إلا وثنيا ... ومن معتقدات نابوليون في المسيح أنه لم يوجد، وغاية ما في الأمر أن واحدا من الناس الكثيرين الذين يتحمسون ادعى أنه نبي أو مسيح - وفي كل زمان كثيرون من هذا الطرارز - وأنه قتل أو صلب لذلك السبب، وكان يعتقد نابوليون في موسى كزعيم شعب وقائد، ولكن اليهود كانوا قساة وجبناء، وبلغ اعتقاد نابوليون في المسيح إلى درجة أنه كان يقول: إنه لا يستطيع أن يتصور أو يصدق أن رجلا ذكيا مثل البابا ليوس السابع يعتقد حقيقة في المسيح! وأما الدين الإسلامي فإنه بعكس ذلك سهل، وأرقى من المسيحية؛ لأنه افتتح نصف العالم في عشر سنوات، في حين أن المسيحية لم توطد قدمها قبل ثلاثمائة عام، وصرح نابوليون في وقت آخر بأن الدين الإسلامي أحلى وأظرف الديانات الموجودة، وقال عن نفسه مرة: «نحن المسلمون»! •••
ويرى القارئ من هذه المعلومات المستقاة من مصادرها الأصلية ما يؤيد بجلاء آراءنا التي أثبتناها في صدر هذا البحث، وأن ما ادعاه بعضهم، من أن نابوليون أسلم، لا حقيقة له على الإطلاق، وأن الرجل لم يكن إلا من أصحاب الآراء الحرة، المتشككين في جميع الأديان.
هوامش
Shafi da ba'a sani ba