نص المنشور الفرنسي.
بقي علينا أن نذكر أن العبارة العربية قريبة جدا من الأصل الفرنساوي، ومن الغريب أنه لم يرد في النص المطبوع في الصورة الفرنسية ذكر للقب «السلطان الكبير» وكذلك لا يوجد لهذا اللقب أثر في النص العربي الموجود في الجبرتي ولا في المعلم نقولا، ولا في الأصل الصحيح المنقول بالفتوغراف، ولكن ورد في كتب الفرنساويين، وورد في الصورة الخطية الفرنسية المنقولة بالفتوغراف في كتاب شرفيس، فيظهر من ذلك جليا أن نابوليون أراد لنفسه ذلك اللقب، وأملاه على كاتب يده، ولكن معارضة المشايخ مثلا، أو عدم قبولهم وضع إمضاءاتهم على منشور يلقب فيه نابوليون بالسلطان الكبير، أو غير ذلك من أغراض لبعض المستشرقين أو القواد الآخرين، أدى إلى رفع ذلك اللقب من المنشور العربي والفرنسي، ومع وجود الصورة الأصلية، في اللغتين كما يراه القارئ في الصورتين المأخوذتين بالفتوغراف، فلا يزال بعض كتاب الفرنسيين يؤكد أن نابوليون كان يلقب في مصر بالسلطان الكبير!!
وأما ما ورد في هذا المنشور من دعوى اعتناق الدين الإسلامي وتلاوة القرآن وإنشاء مسجد كبير إلى غير ذلك من موضوع لفكرة الإسلامية لدى نابوليون - فسنفرد له فصلا خاصا لإماطة النقاب، عن كل ما قيل في هذا الباب.
وكنا نود أن نقف بالقلم عند هذا الحد فيما يختص بالحملة السورية لولا إننا عثرنا على رسالتين، بعث بهما على لسان أعضاء الديوان الخصوصي، إلى نابوليون وهو في سوريا، وهاتان الرسالتان نقلهما مسيو كرسيتان شرفيس في كتابه الذي سبقت الإشارة إليه ليتخذها دليلا على ثقة المسلمين بنابوليون وحبهم له ومدحهم إياه، مع أن أولئك المشايخ كانوا يمضون ما يكتب لهم، وذلك باعتراف مسيو شرفيس نفسه، فقد قال في خلال تحقيقاته عن المنشور الآنف الذكر: إن نابوليون كان لا يكتب فقط ما سيوقع عليه باسمه، بل كان يكتب أيضا ما سيمضيه سواه، ولذلك أملى وكتب ذلك المنشور الذي أمضاه بعض العلماء بعد تحوير وتلطيف، ونريد بهذا أن نقول إن وجود تلكما الرسالتين اللتين بعث بهما إلى نابوليون في سوريا، بل والثالثة التي بعث بها إليه وهو الحاكم الأول في فرنسا، لا يثبت أبدا أن المسلمين اعتقدوا في نابوليون بونابرت مثلما تصور هو أنهم يعتقدونه فيه.
والرسالتان المشار إليهما لهما أهمية عظيمة في نظرنا؛ لأن أصلها غير موجود باللغة العربية، لا في الجبرتي ولا في المعلم نقولا، ومع أن ثالثهما بعث بها بعد هذا التاريخ بنحو سنة ونصف؛ أي: في مدة رياسة الجنرال «منو» وكان الشيخ عبد الرحمن الجبرتي قد صار عضوا في الديوان وإمضاءاته موجودة بين الذين أمضوا تلك الرسالة الثالثة، فإنه لم ينشر لنا نصها العربي، بل ولم يشر إليها إشارة صغيرة مما يثبت دون أقل شك أن المشايخ لم يكونوا يعترفون بأن تلك الرسائل صادرة منهم عن اعتقاد ويقين، وإن كانت إمضاءاتهم عليها وأسماؤهم واردة فيها.
ومع اعتقادنا هذا الذي نقرره مع الأسف لما فيه من نسبة الضعف الأخلاقي لأكبر مشايخ المسلمين وعلمائهم في ذلك الزمن، نرى من الضروري للفائدة التاريخية أن نأتي على تعريب تلك الرسائل من المصادر الفرنسية، ونكتفي هنا بالرسالتين اللتين بعث بهما إلى نابوليون في سوريا، ونترك الثالثة إلى حوادث المدة الأخيرة من تاريخ الفرنساويين بمصر.
وقبل أن نأتي على تعريب الرسالتين المذكورتين نقول: إن مسيو كرستيان سرفيس قد نقلهما وغيرهما من الرسائل التي لا أصل لها في العربية، من مجموعة رسمية، ولم يذكر لنا عن أصلهما العربي شيئا بخلاف الثالثة التي روى عنها أن سلفستر ده ساسي، العالم المستشرق الكبير هو الذي ترجمها من العربية إلى الفرنسية.
وقد يخطر بالبال أن الرسالتين المشار اليهما لم تكتبا بالعربية قط، وإنهما وضعتا بالفرنسية في القاهرة وأفهم المشايخ ما فيهما ووضعت إمضاءاتهم عليهما، ولكن أسلوب عبارتهما في الفرنسية يدل على أنهما مترجمتان من العربية، ونحن مع فقد النص العربي لا نجد، كما قلنا مناصبا من تعريبهما ثانية، وإن كنا لا نطمع في أن نعيدهما إلى ما يقرب من نص ألفاظهما، مجتهدين في تقليد أسلوب ذلك العصر.
وليس في إحدى الرسالتين تاريخ زمن وضعهما، ولكن يظهر أن الأول كتبت لنابوليون في أول زمن الحملة الشامية، وهذا نصها:
كتاب من ديوان القاهرة
Shafi da ba'a sani ba