129

Napoleon a Misra

نابوليون بونابارت في مصر

Nau'ikan

ولم يصل هذا الخطاب لحكومة جلالة السلطان حتى كانت الدولة العثمانية قد أعلنت الحرب رسميا على فرنسا في 21 ربيع الأول الموافق 2 سبتمبر من تلك السنة، وأخذت في جمع الجيوش بمدينة دمشق وبجزيرة رودس لإرسالها لمصر وأتت الدونائمة الروسية من البحر الأسود إلى بوغاز الآستانة، ثم خرجت إلى البحر الأبيض مع الدونانمة العثمانية، وذلك بمقتضى معاهدة أبرمت بين إنكلترا والدولة العثمانية والروسيا لمحاربة فرنسا، وإخراج جيوشها من أرض مصر، فكان ذلك من أعظم الأسباب التي حملت نابوليون على حرب الشام ومفاجأة الدولة قبل استعدادها كما سيأتي ذلك في مكانه.

وحاول نابوليون التأثير على العالم الإسلامي ورجال الدولة العثمانية بواسطة علماء مصر فاستكتبهم رسالة مطولة للتنويه بذكر الفرنساويين وحسن معاملتهم واحترامهم للدين الإسلامي، ولم نقف على نص هذه الرسالة؛ لأن الشيخ الجبرتي ضن بنشرها بالنص كأن نفسه لم تكن راضية عما فيها، مع أنهم طبعوها ونشروها في القاهرة، ومع ذلك فهو نفسه عمدتنا الوحيد فيما كتبه عنها قال: وفي السبت ثامن عشر ربيع الثاني كتبوا من المشايخ «تأمل هذا التركيب» كتابا يرسلوه إلى السلطان وآخر إلى شريف مكة، ثم إنهم بصموا منه عدة نسخ وألصقوها بالطرق والمفارق وصورته بعد الصدور، ذكر ورودهم «الفرنسيس» وقتالهم مع المماليك وهروبهم، وأن جماعة من العلماء ذهبت إليهم بالبر الغربي فأمنوهم، وكذلك الرعية دون المماليك، وذكروا فيه أنهم من أخصاء السلطان العثماني وأعداء أعدائه، وأن السكة «النقود» والخطبة باسمه، وشعائر الإسلام مقامة على ما هي عليه، وباقي المنشور بمعنى الكلام السابق من قولهم إنهم مسلمون وإنهم محترمون للقرآن والنبي، وإنهم أوصلوا الحجاج المتشتتين وأكرموهم، وأركبوا الماشي وأطعموا الجيعان وسقوا العطشان، واعتنوا بيوم الزينة يوم جبر البحر، وعملوا له شأنا ودونقا استجلابا لسرور المؤمنين، وأنفقوا أموالا برسم الصدقة على الفقراء، وكذلك اعتنوا بالمولد النبوي وأنفقوا أموالا في شأن انتظامه واتفق رأينا ورأيهم على بس حضرة الجناب المحترم مصطفى أغا كتخدا بكر باشا والي مصر جالا فاستحسنا ذلك لبقاء علاقة الدولة العلية، وهم أيضا مجتهدون في إتمام مهمات الحرمين وأمرونا أن نعلمكم بذلك والسلام. ا.ه.

وغريب أن يطلب نابوليون من المشايخ كتابة هذا المنشور في 18 ربيع الثاني بعد أن كانت الدولة العلية قد أعلنت الحرب على فرنسا وجمعت جيوشها لإخراج الفرنساويين من مصر منذ شهر تقريبا، ويبعد أن لا يكون نابوليون ورسله وجواسيسه منتشرة في مصر وسوريا على بينة من ذلك، ومن الغريب أيضا أن يذكر في هذا المنشور أن أبا بكر باشا لا يزال واليا على مصر!! (8) تلبد الجو بالغيوم

أسباب الثورة الكبيرة

لا نزاع في أن نابوليون قد تأكد في ذلك الوقت أن مركزه قد أصبح محفوفا بالمخاطر، فالطريق إلى فرنسا قد سدت في وجهه ولم يعد له أدنى أمل في العودة إلى بلاده، وكيف يكون ذلك وإنجلترا مسيطرة على البحر الأبيض المتوسط، ولم يبق من سفن فرنسا ما يصلح لنقل شرذمة من الجنود من موانئ فرنسا إلى مصر، وحكومة «الديركتوار» في باريز قد اختلت واعتلت وناوأها الخصوم والأعداء من كل جانب، والكثير من أعضائها يخشى سطوة نابوليون وشهرته!! كل هذه أمور لم تكن لتخفى على ثاقب فكر ذلك الرجل العظيم الذي برهن في حياته على ذكاء نادر المثال، ولقد ذكر «بوريين» في مذكراته أنه كان يجد نابوليون في القاهرة أثناء هذه الفترة شديد التفكر، كثير الصمت، بادي القلق والاضطراب ... ولا غرابة في ذلك فهذه حاله من جهة وطنه، فهو لا شك قد علم أن ثلاث دول كبار، تركيا وروسيا وإنكلترا، قد أشهرت الحرب عليه وصممت على الفتك به ومن معه في أرض مصر، فلا بد له من مقاومتها بكل الوسائل التي يستطيعها، والوسيلة الوحيدة أمامه هي مهاجمة تركيا في سوريا، والاستيلاء على تلك الديار؛ إذ كان يعلم أن جيشه أحسن نظاما وأكمل عدة من جيش الأتراك في ذلك الزمن، ولكن يلزمه للقيام بهذه المهمة المال الوفير، فمن أين يأتي به؟ لم يكن لديه مصدر غير مصر! وما أتعس حظ مصر!

ولقد سبق لنا أن شرحنا في هذا الكتاب أن موارد مصر قد نضبت وزد على ذلك أن تجارتها القليلة من طريق البحر الأبيض أو من البحر الأحمر قد عطلت بمحاصرة الإنكليز لشواطئها، ولم يكن من مصلحة نابوليون وسياسته القاضية باستجلاب محبة المصريين ومودتهم، أن يلجأ إلى ما كان يلجأ إليه المماليك، من مصادرة أموال الناس وامتصاص دمائهم، نعم إن الفرنساويين فعلوا شيئا من هذا على طرق شتى، ودعاوى مختلفة، ولكنهم فعلوه على شكل معقول، كدعوى مصادرة أملاك المماليك وتفتيش بيوتهم، ومطالبة الذين ينتسبون إليهم أو يخابرونهم بشيء من المال على قدر طاقتهم، ولو زاد الأمر عن ذلك الحد لما اتفق مع دعوى الفرنساويين بأنهم قدموا لينقذوا البلاد من ظلم المماليك، وليحافظوا على الحقوق، وليحترموا الواجبات!

فكيف يحصل نابوليون على المال اللازم للإنفاق على جيشه ورجاله، وكلهم راغب في الكسب، آلف لمعيشة الرفاهية؟ ثم كيف يحصل على المال اللازم لتجهيز الحملة على الشام ومقاومة الدولة العثمانية والأساطيل الإنكليزية والروسية؟ لم يبق أمامه إلا أن يفرض ضرائب جديدة على أهالي القاهرة ومدن مصر وقراها على طريقة جديدة، وكان معه من رجال الاقتصاد الإداري مسيو بوسيلج

الذي عينه مديرا للأمور المالية، وكان الجبرتي يسميه «بوسليك الروزنامجي»، ويقول المعلم نقولا: إن المصريين كانوا يسمونه «وزير المشيخة الفرنساوية»

18

فوضع له مشروعا يقضي بتسجيل عقود الممتلكات وحجج العقارات للتصديق عليها في مقابل ضريبة مخصوصة، فطالبوا أصحاب الأملاك بإحضار حججهم ومستنداتهم التي تثبت ملكيتهم.

Shafi da ba'a sani ba