إن المجتمع البسيط هو خير من يصور الطباع على فطرتها؛ لأنه خاضع للطبيعة، والطبيعة وحدها، يسيره ناموس الفطرة وحده لا يعرف التوجيه المقعد ولا التسيير المهذب ...
ولهذا سنجد شخصيات نماذجنا يفهمون بعض الحقائق على طريقتهم الخاصة ويستنتجون بعض النتائج على أسلوبهم الخاص أيضا، وقد يبدو لنا تفهمهم للحقائق خاطئا واستنتاجهم للنتائج ضعيفا وذلك لأننا سنقيس تفهمهم واستنتاجهم بمقاييس العلم والعقل المهذب، وسنحكم عليهم حكما خاطئا لأننا سنخضع في حكمنا إلى قواعد وأصول تعلمناها وفرضها علينا العلم والعقل المثقف، مع أن هذه الشخصيات توصلت إلى ما توصلت إليه على ضوء فطرتها وهضمته بجهاز طبيعتها في محيطها الضيق وبيئتها المحدودة، مدفوعة بدافع الغريزة إلى إبراز البكر من كوامن النفوس وألوان الطباع.
أحمد رضا حوحو
قسنطينة في 30 / 9 / 55
الشيخ رزوق
الشيخ رزوق رجل في العقد السادس من عمره، ضخم الجثة، كثيف اللحية، أسمر اللون، ذو مهابة ووقار، يخشاه الناس ويحترمونه، تدور حول سيرته شبهات لم يصدقها إلا نفر قليل؛ حيث يتهمونه بالقيام بأعمال مالية غير مشروعة ويقولون إن في استطاعته أن يحرم الابن من إرث أبيه إذا ما قدم له مبلغ من الأوراق المالية ... ولكن أغلبية مواطنيه تعتقد أنها مجرد إشاعات كاذبة يروجها حساد الشيخ وناكرو فضله، فهو لا يعرف سوى داره، والمسجد، والطريق بينهما. •••
تناول الشيخ طعام إفطاره على عجل وهو لا يزال يتمتم بالبقية الباقية من تسابيح ورد الصباح الذي اعتاد أن يتلوه يوميا عقب صلاة الصبح. ثم أحضر له الخادم فنجانا من القهوة الساخنة أخذ يحسوه بسرعة، وهو يحث الخادم على إحضار بقية ملابسه وسجادة الصلاة التي لا تفارقه في حله ولا ترحاله. وأخذ يستعد لمبارحة المنزل وقد تناول عصاه ومسبحته، وما كاد يبارح غرفته حتى أدركته زوجته متذمرة: ما هذا! ألا تستطيع حتى أن تتناول طعام إفطارك في راحة؟... أدائما أعمال الناس؟ لا أدري أية فائدة تجنيها من وراء هذه المتاعب كلها التي صدتك عن العناية بأهلك وأولادك؟!
وما كان من الشيخ إلا أن رمقها بنظرة حادة وأجابها والغضب باد على قسمات وجهه: أي شيء أستفيده من الناس؟! ... أتخالين زوجك مثل أولئك الغافلين الذين ألهتهم أوضار المادة الدنسة عن أعمالهم الربانية، وأشغلتهم بطونهم عن الآخرة؟ ... أنا أخدم الناس لوجه الله: أخدم الحق الضائع وأحاول جهدي إرجاعه إلى نصابه ...
ثم حوقل الشيخ واستغفر ربه واسترسل يقول: لا تدخلي على نفسي الرياء أيتها المرأة، اتقي الله، أتريدين أن تضيعي أجر عملي، وأن تبدلي ثوابي عقابا بأحاديثك هذه؟
وما كادت زوجه الساذج تعي هذه المواعظ حتى تأثرت وخشيت بطش ربها ونقمه إذا ما صدت هذا الرجل الصالح عن القيام بأعماله الربانية، وانهالت على يده تقبلها وهي تردد: ربنا يبقيك ويحيطك بعنايته يا سيدي، حقا إن هذه الدنيا لا تساوي جناح بعوضة.
Shafi da ba'a sani ba