فصل في أن كل حادث زماني فهو مسبوق بالمادة لا محالة
ونقول أنه لا يمكن أن يحدث ما لم يتقدمه وجود القابل وهو المادة ولنبرهن على هذا القول إن كل كائن فيحتاج أن يكون قبل كونه ممكن الوجود في نفسه فإنه إن كان ممتنع الوجود في نفسه لم يكون البتة. وليس إمكان وجوده هو أن الفاعل قادر عليه بل الفاعل لا يقدر عليه إذا لم يكن هو في نفسه ممكنا ألا ترى أنا نقول إن المحال لا قدرة عليه ولكن القدرة هي على ما يمكن أن يكون فلو كان إمكان كون الشيء هو نفس القدرة عليه كان هذا القول كأنا نقول إن القدرة إنما تكون على ما عليه القدرة. والمحال ليس عليه قدرة لأنه ليس عليه قدرة. وما كنا نعرف أن هذا الشيء مقدور عليه أو غير مقدور عليه بنظرنا في نفس الشيء بل بنظرنا في حال قدرة القادر عليه هل له عليه قدرة أم لا. فإن أشكل علينا أنه مقدور عليه أو غير مقدور عليه لم يمكنا أن نعرف ذلك البتة لأنا إن عرفنا ذلك من جهة أن الشيء محال أو ممكن. وكان معنى المحال هو أنه غير مقدور عليه - ومعنى الممكن أنه مقدور عليه كنا عرفنا المجهول بالمجهول. فبين واضح أن معنى كون الشيء ممكنا في نفسه هو غير معنى كونه مقدورا عليه. وإن كانا بالذات واحدا وكونه مقدورا عليه لازم لكونه ممكنا في نفسه وكونه ممكنا في نفسه هو باعتبار ذاته وكونه مقدورا عليه باعتبار إضافته إلى موجده فإذا تقرر هذا فإننا نقول إن كل حادث فإنه قبل حدوثه إما أن يكون في نفسه ممكنا أن يوجد قد سبقه إمكان وجوده فلا يخلو إمكان وجوده من أن يكون معنى معدوما أو معنى موجودا ومحال أن يكون معنى معدوما وإلا فلم يسبقه إمكان وجوده فهو إذا معنى موجود وكل معنى موجود فإما قائم لا في موضوع أو قائم في موضوع وكل ما هو قائم لا في موضوع فله وجود خاص لا يجب أن يكون به مضافا. وإمكان الوجود إنما هو ما هو بالاضافة إلى ما هو إمكان وجود له فليس إمكان الوجود جوهرا لا في موضوع فهو إذا معنى في موضوع وعارض لموضوع ونحن نسمي إمكان الوجود قوة الوجود ونسمي حامل قوة الوجود الذي فيه قوة وجود الشيء موضوعا وهيولى ومادة وغير ذلك فإذا كل حادث فقد تقدمته المادة.
Shafi 179