شأنه أن يشتعل عن المؤثر الذي من شأنه أن يحرق بقوته أو شعاعه إشتعل فحدثت الشعلة جرما شبيها بالمفارق من وجه ثم تلك الشعلة أيضا تكون مع المفارق علة للتنوير والتسخين معا ولو بقيت وحدها لاستمر التنوير والتسخين ومع هذا فقد كان يمكن أن يوجد التسخين وحده أو التسخين والتنوير وحدهما وليس المتأخر عنهما مبدأ يفيض عنه المتقدم وكان إذا اجتمعت الجملة تصير حينئذ كل ما فرض متأخرا مبدأ أيضا للمتقدم وفايضا عنه المتقدم فهكذا فليتصور في القوى النفسانية وقد وضح لنا من ذلك أيضا أن وجود النفس مع البدن - وليس حدوثها عن جسم بل عن جوهر هو صورة غير جسمية.
فصل في الاستدلال بأحوال النفس الناطقة على وجود العقل الفعال وشرحه بوجه ما
فنقول إن القوة النظرية في الانسان أيضا تخرج من القوة إلى الفعل بإنارة جوهر هذا شأنه عليه وذلك لأن الشيء لا يخرج من القوة إلى الفعل إلا بشيء يفيده الفعل لا بذاته وهذا الفعل الذي يفيده إياه هو صورة معقولاته - فإذا ههنا شيء يفيد النفس ويطبع فيها من جوهر صور المعقولات فذات هذا الشيء لا محالة عنده صور المعقولات وهذا الشيء إذا بذاته عقل ولو كان بالقوة عقلا لامتد الأمر إلى غير نهاية وهذا محال أو وقف عند شيء هو بجوهره عقل وكان هو السبب لكل ما هو بالقوة عقل في أن يصير بالفعل عقلا وكان يكفي وحده سببا لإخراج العقول من القوة إلى الفعل وهذا الشيء يسمى بالقياس إلى العقول التي بالقوة وتخرج منها إلى الفعل عقلا فعالا كما يسمى العقل الهيولاني بالقياس إليه عقلا منفعلا أو يسمى الخيال بالقياس إليه عقلا منفعلا آخر - ويسمى العقل الكائن فيما بينهما عقلا مستفادا ونسبة هذا الشيء إلى أنفسنا التي هي بالقوة عقل وإلى المعقولات التي هي بالقوة معقولات نسبة الشمس إلى أبصارنا التي هي بالقوة رائية وإلى الألوان التي هي بالقوة مرئية فإنها إذا اتصل بالمرئيات بالقوة منها ذلك الأثر وهو الشعاع عادت مرئيات بالفعل وعاد البصر رائيا بالفعل فكذلك هذا العقل الفعال يفيض منه قوة تسيح إلى الأشياء المتخيلة التي هي بالقوة معقولة لتجعلها معقولة بالفعل وتجعل العقل بالقوة عقلا بالفعل وكما أن الشمس بذاتها مبصرة وسبب لأن تجعل المبصر بالقوة مبصرا بالفعل فكذلك هذا الجوهر هو بذاته معقول وسبب لأن يجعل سائر المعقولات التي هي بالقوة معقولة بالفعل لكن الشيء الذي هو بذاته معقول هو بذاته عقل فإن الشيء الذي هو بذاته معقول هو الصورة
Shafi 159