ترى هل استطعت أن أخفي قلقي عن أمي، هيهات، إن قلقها هي أشد، وأبي أيضا يريد أن يطمئن إلى وجود رجل إلى جانبي، وفؤاد يكبرني بعدة سنوات، ولكن أليس هذا هو الرجل الذي يطمئن إليه والدا البنت الوحيدة، إنهما يريدان رجلا عرف الحياة وعركها، ليكون زوجا وسندا، ولا يهمهما كثيرا أن تتمتع ابنتهما بضع سنوات بزواج شاب يجرب الحياة، ولا يدري من أمرها شيئا، فهو يقدم عليها إقدام الجهلاء الذين يخيل إليهم أنهم أعلم الناس بكل شيء، أما أنا فقد كنت أتمنى شابا نتعرف معا على الحياة، ونخطئ فيها ونصيب، فأغلب الأمر أن فؤاد على الرغم من عدم حصوله على الشهادة العالية، سيكون بالنسبة لي أقرب إلى المعلم، فأحسب أنني قرأت ما يكفي لأن يجعلني أعرف أنني في علم الحياة لن أدري الألف من الباء.
أيهما خير لي، أن أدلف إلى الحياة معصوبة العينين لا أحمل إلا علم الكتب، أم أن أسعى إليها ويميني معتمدة على رجل تمرس بها وعرفها وعرفته، أيهما خير؟
وهل يدري أحد أين الخير؟ إننا نتحسب ونقارن ونزن الأمور بقدر ما تسمح لنا عقولنا، ثم يقع الغيب كما قدر له الله أن يقع. •••
وتم الزواج.
الفصل الرابع
مرت سنوات وعرفت الشيخوخة طريقها إلى لمبرو، وأصبح سويلم يقوم بكل العمل، واكتفى لمبرو بتسلم النقود والجلوس في محل مارك أخي زوجته المرحومة أتينا، ثم بدأ يتخلف عن الجلوس يوما أو يومين في الأسبوع ثم ثلاثة، فرحا بمداعبة مجدي بن سويلم، وحين ذهب مجدي إلى المدرسة كان لمبرو حزينا في وحدته على رغم وجود نعمات بالبيت، فقد تركت العمل ببيت عدلات هانم قبيل ولادتها، وما لها أن تعمل خادمة وقد أصبح العيش ميسورا لها غاية اليسر.
لقد جعل لمبرو منها ومن زوجها أسرته، وكان فرحه بمجدي أعظم من فرحة أبيه وأمه، فقد حقق صراخ الطفل في بيته أملا لم يتصور في يوم من الأيام أنه سيتحقق. كان مجدي بالنسبة لأبويه فرحة الشمس تهم بالشروق، وكان بالنسبة إلى فوكيون لمبرو أمل الشمس تهم بالغروب، فهي تودع الحياة ولا تنتظر منها شيئا.
كان مجدي لأبويه أمرا طبيعي الحدوث، وكان لفوكيون أمرا مستحيل الوقوع، وإن لم يكن ولده. نعم وإن، وقد أسماه هو مجدي لا فهما منه للاسم، ولكن ليكون نطقه سهلا على لسانه الأعجمي.
تحمل لمبرو ذهاب مجدي إلى المدرسة في ضيق شديد، ثم ما لبث المرض أن داهمه، وأصبح من العسير عليه أن يترك الفراش، ولكنه هانئ البال مطمئن، فسويلم يقوم بالعمل، ونعمات مقيمة بالبيت، لم يفكر واحد منهما أن يتركه وحيدا مع مرضه.
وفي يوم عاد سويلم إلى البيت مبكرا بعض الشيء، فلم يجد الخواجة في حجرته. - نعمات أين الخواجة؟ - أليس في حجرته؟ - ما هذا الغباء، أكنت سألت؟ - لا أدري. أنا في المطبخ من الصبح. - هل تناول إفطاره؟ - نعم وتناول الدواء، وكانت صحته طيبة، وترك السرير ليجلس على الكرسي، وتركته أنا وذهبت لشراء الغداء وعدت إلى المطبخ مباشرة، وقلت في نفسي إذا أراد شيئا سيناديني.
Shafi da ba'a sani ba