وسنته
ــ
مشايخنا يظنون أن المأمور به من الوضوء يتأدى من غير نية، وهذا غلط فإن المأمور به عبادة والوضوء بغير نية ليس بعبادة، وفي مبسوط شيخ الإسلام لا كلام في أن الوضوء المأمور به غير مقصود وإنما المقصود الطهارة وهي تحصل بالمأمور به وغيره لأن الماء مطهر بالطبع انتهى.
أقول: لا نسلم أنهم أرادوا بيان الوضوء المأمور به فقط، إذ الآية كما أفادت كونه مأمورا به أفادت كونه شرطا للصلاة أيضا، والمقصود بيان شرطيته فحيث دل على ذلك ذكرهم النية في السنن فانح السنن، فإنه حسن، (وسننه) ذكر السنن بعد الفرائض إيماء إلى أنه لا واجب في الوضوء، وإلا لذكره مقدما، وأما الوضوء نفسه فقد يكون فرضا وهو: الوضوء للفريضة والجنازة وسجدة التلاوة، وواجبا وهو: الوضوء للطواف ومندوبا: وهو للنوم وبعد الغيبة والكذب وإنشاد الشعر والقهقهة وغسل الميت ومنه الوضوء على الوضوء، كذا في الخلاصة زاد الهندواني في مختصره المسمى بالشامل والنظر في محاسن المرأة والاختلاف في النقض، ولوقت كل صلاة والتقيير بالفريضة يخرج النافلة مع أنه قد مر وجوبه عند ارادتها، وبالترك يسقط والظاهر أنه عنى به ما يعاقب على تركه وأفرد الفرائض وجمع السنن؛ لأنها وإن تعددت فهي متحدة حكما، حيث لا يعتد ببعضها عند فوات البعض الآخر.
أما السنن فكل منها مستقل حكما إذ كل واحدة منها تعد فضيلة، وإن لم توجد الأخرى، وهي لغة: الطريقة مطلقا، وعرفا: الطريقة المسلوكة في الدين، كذا في العناية لكنه غير مانع لصدقه على المستحب، وقد أخذ مقابلا للفرض والواجب. وقال في غاية البيان: هي ما في فعله ثراب وفي تركه عتاب لا عقاب وأيده بعض المتأخرين بأنه المعنى المناسب للمقام، وهو وإن كان تعريفا بالحكم إلا أن الفقهاء يتسامحون في التعريف به لما أن الأحكام هي محط مواقع أنظارهم.
1 / 35