اعترضته الحمية فافتخر على آدم بخلقه ، وتعصب عليه لأصله ، فعدو الله إمام المتعصبين ، وسلف المستكبرين ، الذى وضع أساس العصبية ، ونازع الله رداء الجبرية ، وادرع لباس التعزز ، وخلع قناع التذلل. ألا ترون كيف صغره الله بتكبره؟ ووضعه الله بترفعه؟ فجعله فى الدنيا مدحورا ، وأعد له فى الآخرة سعيرا.
ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه ، ويبهر العقول رواؤه (1)، وطيب يأخذ الأنفاس عرفه ، لفعل ، ولو فعل لظلت له الأعناق خاضعة ، ولخفت البلوى فيه على الملائكة ، ولكن الله سبحانه ابتلى خلقه ببعض ما يجهلون أصله تمييزا بالاختبار لهم ، ونفيا للاستكبار عنهم ، وإبعادا للخيلاء منهم.
فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس ، إذ أحبط عمله الطويل ، وجهده الجهيد ، وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة لا يدرى أمن سنى الدنيا أم سنى الآخرة عن كبر ساعة واحدة (2) فمن [ذا] بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته (3)؟ كلا! ما كان الله سبحانه ليدخل الجنة بشرا بأمر أخرج به منها
Shafi 162