فإنّ الشاعر شبّه ثمانٍ بجوارٍ لفظًا لا معنىً فلم يصرفْهُ. ويجوز للمولّد أن يسَكِّنَ الياء في حال النصب فيُلحِقَ المنصوبَ بالمرفوع والمجرور، كما جاز له أن يحرِّكَ الياءَ في حال الرفع والجرّ فيُلحِقَ المرفوعَ والمجرورَ بالمنصوب. قال أبو العباس المبرد: هذا من أحسن الضرورات لأنهم شبّهوا الياء بالألف، يعني أنهم إذا أسكَنوها في الأحوال الثلاث جَرى المنقوص مَجْرى المقصور فصارَت الياء كالأف؛ إذ الألفُ ساكنةٌ في جميع أحوالها قال الشاعر:
مَهْلًا بني عمِّنا مهْلًا مَوالينا ... لا تَنبُشوا بَينَنا ما كان مدْفونا
أسكن الياء في موالينا وهي في موضع نصبٍ. وقال الآخر:
كأنّ أيديهنّ بالقاع القَرِقْ ... أيدي جَوارٍ يتعاطيْنَ الورِقْ
أسكن الياءَ في أيديهنّ وهي في محل النصب وأسكنها في أيدي وهي في محلّ الرفع. قال الحطيئة:
يا دارَ هندٍ عفَتْ إلا أثافيها
وقال الفرزدق:
يقلِّبُ رأسًا لم يكنْ رأسَ سيِّدٍ ... وعيْنًا له حَولاءَ بادٍ عُيوبُها
أراد باديًا عُيوبُها فأسكن الياءَ وحذفَها لالتقاء السّاكنين. ويجوز في قول الآخر وقد تقدّم ذكرُه:
يحدو ثماني مُولعًا بلِقاحِها
أن تُسكَّن الياءُ ثم تحذَفَ لأجلِ التنوين فيكون محمولًا على هذه الضرورة فتقول:
يحْدو ثمانٍ مولَعًا بلِقاحِها
ومما يجوز للشاعر المولّدِ استعمالُه، إثباتُ الواو والياء في مثل لم يغْزُ ولم يرْمِ فيقول عند الضورة: لم يغزوَ ولم يرميَ، كأنّه أسْكنَ الواو والياء بعد وُجوب الحَرَكة لهما قال الشاعر:
ألمْ يأتيكَ والأنباءُ تَنمي ... بما لاقَتْ لَبونُ بني زِيادِ
كان أصلُه: يأتيُك فحذف الضمة وأسكن الياء كما عرّفتُك.
ومما يجوز استعمالُه، وهو كثيرٌ فاشٍ في الاستعمال، حذفُ التنوين لالتقاء الساكنين. فمن ذلك قول الشاعر:
حُمَيْدُ الذي أمَجٌّ دارُه ... أخو الخمرِ ذو الشَيبَةِ الأصْلَعُ
كان ينبغي أن يقول حُمَيدٌ فأسقط التنوين. والأمَجُ الحرُّ والعطش، وأمَجٌ موضع. وقال الآخر:
لتَجِدَنّي بالأميرِ بَرّا ... وبالقَناةِ مِدْعَسًا مِكَرّا
إذا غُطيفُ السُّلَميُّ فَرّا
كان يجب أن يقول: إذا غُطَيْفٌ، فحذفَ التنوينَ لالتقاء الساكنين. وقال عُبيدُ الله بن قيس الرُقيّات:
كيف نومي على الفراشِ ولمّا ... تشملِ الشّامَ غارةٌ شعْواءُ
تُذهِلُ الشيخَ عن بَنيه وتُبدي ... عن حِذامِ العقيلةُ العذراء
أراد وتبدي العقيلةُ العذراءُ عن حِذام، والخِدام الخلخال أي ترفع ثوبها للهرب، وقال الشاعر:
فألفَيْتُه غيرَ مُستَعْتِبٍ ... ولا ذاكرَ اللهَ إلا قليلا
حسُنَ حذفُ التنوين من ذاكر ونصَبَ اسم الله تعالى به ليوافقَ المعطوفَ عليه في التنكير. وقال:
وحاتِمُ الطائيُّ وهّابُالمِئي
وكان الواجبُ أن يقول وحاتمٌ فحذفَ التنوينَ لالتقاء الساكنين. وقد رُويَ عن أبي عمرو في بعضَ طُرُقِه: (قُلْ هو الله أحدُ اللهُ الصَّمَدُ)، فحذف التنوينَ من أحدٍ لالتقاء الساكنين، وكذلك حُذف التنوين لالتقاء الساكنين في قراءة من قرأ: (وقالتِ اليهودُ: عُزَيْرُ ابنُ الله) على أنه مبتدأ، وابن الله خبرُه، كقراءةِ مَنْ أثبتَ التنوين، ولا يكون حذف التنوين منه لامتناع الصّرف لأنّ عُزَيْرًا ونحوَه ينصرفُ عربيًا كان أو عجميًا، وإنما حسُنَ حذفُ التنوين لالتقاء الساكنين كما حسُن حذفُ حروف اللين لذلك. ألا ترى أنه قد جرى مجراها في: لم يكُ زيدٌ قائمًا، وقولِه تعالى: (وإن يكُ كاذبًا فعليهِ كذِبُه) . وقد أثبتَ الشّاعرُ نونَ مئتي دِرْهمٍ ضرورةً، فقال:
عندي لها مأَتانِ ثوْبًا مُعْلَما
ويجوز للمولّد حذفُ نون مِن إذا وليَتْها اللام الساكنة، كقول الشاعر:
أبلِغْ أبا دَختنوشَ مألُكَةً ... غيرَالذي قد يُقال مِلْ كذِبِ
أراد أن يقول: من الكذب، فحذف النونَ لسكونها وسُكون اللام بعدها. قال المرقَّش الأكبر:
لم يشْجُ قلبي مِلحوادث إ ... لاّ صاحِبي المتْروكُ في تَغْلَمْ
وقال الآخر:
1 / 46