يقول: كَفا الحربَ بهيبتِهِ وصانَ النسوانَ بسطوتِه. وهذا بيتٌ حسنٌ المقابلةِ لأن البيضَ الأولى هي السيوفُ، فبدأ في المصراعِ الثاني بذكرِ الأغمادِ، والبيضُ الثانية هي النساءُ فأخّر ما يتعلق بِهنّ وهي الحُجُب.
وقال ابن أحْمَر:
لَبِسْنا حِبْرَهُ حتّى اقْتُضينا ... بأعمالٍ وآجالٍ قُضينا
قيل فيه الاقتضاء طلبٌ، والقضاء أداء. فاللفظُ تجنيس، والمعنى تطبيقٌ. ويجوز أن يكون قضين قُدِّرن وعُلمْنَ، فيكون تجنيسًا لفظيًا فقط، وهو عندي أمْثَل من الأوّل.
وقال القُحَيْف:
وكيف ولا يَجري غُرابٌ بغُرْبَةٍ ... ولا تُذكَرُ الأُلاّفُ إلا تَبَلّدا
وقال أسْماءُ بنُ خارجة:
إني لسائِلُ كُلِّ ذي طِبِّ ... ماذا دَواءُ صَبابةِ الصَبِّ
وقال أيضًا:
إذ ليسَ غيرُ مَناصِلٍ نَعصا بها ... ورِحالِنا وركائِبِ الرّكْبِ
وقال القُحَيْف:
حيًا وحَياةٌ ما تَضُرُّ جُنودُهُ ... بريئًا وتختصُّ الأثيم المُعتلا
وقال سعدُ بن الغُرَيْر الأنصاري:
أحُرٌّ هِجانٌ أم هَجينٌ مُعَلْهَجٌ ... تُغادي الشروبَ أمُّهُ وتُراوِحُ
وقال أبو جِلدة:
وتجنّيْتُمُ الذُّنوبَ ضَلالًا ... وبكَيْتُمْ للظّالِم المظلومِ
الظالم ضد المظلوم وهُما مُشتقانِ من الظُّلمِ تجنيسٌ وطباقٌ.
وقال القُطاميّ:
وعليكِ أسماءَ بنَ خارجةَ الذي ... علِمَ الفَعالَ وعلّم الفِتيانا
علِمَ وعلّمَ تجنيسٌ باللّفظ مُطابقٌ من أجل أنّ علِمَ قبولُ شيءٍ وعلّم بذْلُه، والبذلُ ضدُّ القبول لأن هذا أخذ وهذا أعطى. وقال عُقال بن هاشمي القَيْني:
فجهدُ الناسِ غيرُ بنى عَليٍّ ... علَيّ إذا رمى الضَرَمُ الشَرارا
ومنه: ج - التجنيسُ المغايرُ: وهو أن يأتي الشاعرُ بكلمتين: إحداهما اسمٌ والأخرى فعلٌ، كقوله تعالى: " وأسْلَمْتُ معَ سُلَيْمان "، وكقولهِ تعالى: " إني وجّهتُ وجهي " وقوله تعالى: " أزِفَتِ الآزِفَة "، وقوله تعالى: " أنا آتيكَ به قبْلَ أن تقومَ من مَقامِكَ "، وقوله تعالى: " فلا نُقيمُ لهُم يومَ القِيامةِ وَزْنا "، وقوله تعالى: " وإذا أنْعَمْنا على الإنسانِ أعْرَضَ ونأى بجانبِه وإذا مسّه الشرُّ فذو دُعاء عريض ". فأعرضَ وعريض تجنيسٌ مُغايرٌ. وهذا التجنيس يستحسنُه أهلُ البديعِ في الشِّعرِ وهو كثيرٌ جدًا، وإنما نذكرُ منهُ طَرَفًا يسيرًا للتأنُّسِ به والاستراحةِ إليه. وقال امرؤ القيس:
لقد طمِحَ الطَمّاحُ من بُعْدِ أرضِهِ ... ليُلْبِسَني من دائِهِ ما تلَبَّسا
وقال الشّنْفَرى:
فَبِتْنا كأنّ البيتَ حُجِّرَ فوْقَنا ... بريحانةٍ رِيحَتْ عِشاءً وطُلَّتِ
وقال الأقرعُ بنُ مُعاذ:
وأنتَ رَهينُهُنّ وكلُّ حَيٍّ ... الى أجلٍ ستشَعبه شَعوبُ
شَعوبٌ اسمٌ من أسماء المنيّةِ. وقال ذو الرّمّة:
كأنّ البُرَى والعاجَ عِيجَتْ مُتونُه ... على عُشَرٍ نَهّى بهِ السَّيْلَ أبطَحُ
وقال عَمرو بن خالد التّغلبيّ:
لحِقوا على لُحُقِ الأياطلِ كالقَنا ... قُودٍ تُعَدُّ لكل يومِ غِوارِ
وقال عِقالُ بنُ هاشم القَيْنيّ:
الشّيْبُ يَنْهى من يكونُ له نُهىً ... والحِلْمُ يزْجُرُ جهلَهُ فيوقَّرُ
وقال أيضًا:
حَوْراءُ مثلُ مَهاةِ وحشٍ صارَها ... بمكانِسِ الصِّيرانِ طفلٌ أحْوَرُ
صارَها أمالَها، صُرْتُ الشيءَ أصُورُه، وأصَرْتَهُ أمَلْتهُ، والاسم الصَّوَر. والصيران بقرُ الوحش. وقال العَرْجي:
وأسري إذا ما ذو الهَوى هالَهُ السُّرَى ... وأُعمِلُ ليلَ الناجياتِ العواملِ
وقال دُرَيْد بن الصِّمّة:
أُقَدِّمُ العُودَ قُدّامي فأتْبَعُهُ ... وقد أراني ولا يَمشي بي العُودُ
وقال الآخر:
جَرّى الخيول ابنُ ليلى وهي ساهِمةٌ ... حتى أغَرْنَ مع الظلماءِ إذ ظُلِما
وقال الآخرُ وهو من بني عبس:
أبلغْ لديكَ أبا سعْدٍ مُغَلْغَلَةً ... أنّ الذي بينَنا قدْ ماتَ أو دَنِفا
1 / 12