ومن اشتبه عليه الموضع الذي ذكرناه فإنما أتى من قبل نفسه وتقصيره ؛ لأنه كان يجب أن لا يصدق إلا من علم أن الله تعالى صدقه بذلك.
ثم يقال للمعلق بهذا : أليس قد ضل بزرادشت وماني والحلاج ومن جرى مجراهم من المنخرقين والملتمسين جماعة وفسدت بهم أديانهم ، فألا منعهم الله تعالى من هذا الاستفساد إن كان المنع منه واجبا؟
فإن قيل : كل من فسد وضل عند مخاريق هؤلاء الذين ذكروا كان في معلوم الله تعالى أن سيضل ويفسد وان لم يدع هؤلاء إلى باطلهم.
قلنا : فما أنكرت أن يكون كل من أضل بما ألقته الجن من هذا الكلام الفصيح قد علم الله تعالى أنه كان يضل لو لم تلقه ، على أنا لو شئنا أن نقول لقلنا : إننا عالمون ضروره بأنه قد ضل بالحلاج وماني ومن أشبههما من أصحاب الحيل والمخاريق من لولاهم لما ضل ، ولبقي على الدين الصحيح ، لقلنا : وهذه الطريقة يختارها أبو علي الجبائي وزعم أنه إنما ضل بدعاء إبليس لعنه الله ووسواسه ، من لولا دعاؤه لعلم الله تعالى أنه كان لا يضل.
ولأبي هاشم جواب آخر في استفساد إبليس ، وهو أن يقول : إن حقيقة الاستفساد هو ما وقع عنده الفساد ، ولولاه لما وقع من غير أن يكون تمكينا ولا له حظ في التمكين ، فإذا علم الله سبحانه أن من امتنع من القبيح وفعل الواجب عليه مع غواية إبليس يكون ثوابه على فعل الواجب والامتناع من القبيح أعظم وأكبر ؛ لأن المشقة عليه أكثر ، ويجريه مجرى زيادة الشهوة وإن وقع عندها من القبيح ما لو لا تقويها لما وقع ، ويجري هذا كله مجرى التمكين الخارج عن باب الاستفساد.
وعلى هذا المذهب لا يمتنع أن يقال في سؤال الجن مثله ، وأن ثواب من لم يتسرع إلى تصديق من ظهر على يده ما يجوز أن يكون من فعل الله تعالى أكبر وأعظم ، والمشقة عليه في هذا التكليف أغلظ ، والمحنة آكد ، فلحق ذلك بالتمكين وخرج من أن يكون استفسادا ، فلا يجب منعه تعالى منه.
ومما اعتمدوا أيضا في جواب مسألة الجن قالوا : إنه لا فرق في خرق
Shafi 332