200

الخامس : أنهم عولوا على أن في أشعارهم المنظومة وخطبهم المنثورة ما يماثل ، بل يزيد على بلاغة القرآن وفصاحته ، وأن ما يستأنفوه من المعارضة لا يزيد على ما تقدم ، وجروا في ذلك مجرى من تحدى غيره وقوعه بالعجز عن المشي والحركة في حال هو فيها ماش متصرف.

السادس : أن قالوا : جوزوا أن يكون المتمكنون من المعارضة جماعة قليلة العدد ، وأنها واطأته على إظهار المعجز لتشاركه فيما يتم من رياسته.

** والجواب عما ذكرناه :

أولا : أنا لا نحتاج إلى تعاطي استدلال على قوة دواعي القوم إلى المعارضة ؛ لأن ذلك معلوم ضرورة لكل من سمع أخبارهم ؛ وكيف لا يكون ذلك معلوما وقد طالبهم صلى الله عليه وآلهوسلم وهم ذوو الحمية والعصبية والأنفة ، وبالامتناع من الذلة بالرجوع عن دياناتهم والنزول عن رياساتهم ، وان يصيروا اتباعا بعد أن كانوا متبوعين ، وأمرهم بالبراءة من آبائهم وأبنائهم ، وجهاد كل من خالف دينه من حميم ونسيب ، وعلموا أن بالمعارضة يزول ذلك كله ويبطل ويضمحل ، فأي داع هو أقوى من داعي المعارضة ؛ وكيف لا يكونون مدعوين إليها ومبعوثين عليها ، وقد خرجوا اهتماما بما دهمهم إلى ضروب من تحمل المشاق بالمحاربة والمغالبة ، وبذل الأموال ، وتحمل الاثقال ، وتنظم الهجاء ، واستعمال السب والقذف ، وكل ذلك لا يغني ولا فيه طائل ، فلولا أن المعاضة متعذرة لبادروا إليها ، فهي أسهل وأمثل وأقطع للمادة من كل شيء تكلفوه.

والجواب عن ثانيها : أن الشبهة إنما يجوز دخولها فيما يشتبه ويلتبس على العقلاء ، فأما ما هو ظاهر لكل عاقل فما جرت العادة بأن يدخل فيه شبهة ، وفعل المتحدي ما تحدى به لا يدخل على عاقل شبهة في أنه واجب ، بل ملجأ إليه إذا حصلت القدرة عليه ، وما لا يدخل الشبهة على الصبيان والعوام فيه ؛ لأن أحدهم لودعا غيره إلى رمي غرض أو طفر جدول لبادر إلى فعله لو كان قادرا عليه ، ولا يجوز أن يدخل عليه شبهة فيعدل عن الفعل مع القدرة. وما لا تدخل الشبهة فيه على ما ذكرناه كيف تدخل على الحكماء الرحجان على أن للعرب

Shafi 318