176

فإن قيل : فلم جعلتم الاعتبار بما في القلب دون اللسان وإن كانا معا تصديقين؟

قلنا : لأنه لو كان هو ما يجري على اللسان لوجب أن يكون الأخرس والساكت في حال سكوته لا يوصفان بالإيمان والتصديق ، وقد علمنا خلاف ذلك ، ولوجب أن يكون من أظهر التصديق بلسانه وفعل كل شيء في الكفر ، وعلمنا اعتقاده للجهل بالله تعالى والتكذيب بما أوجب معرفته غير كافر ، وأن يكون المنافقون الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وآلهوسلم مؤمنين غير كفار وان كانوا مقرين بألسنتهم وان جحدوا بقلوبهم ، يبين ذلك قوله تعالى : ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) (1) فكذبهم مع إظهارهم الشهادة باللسان من حيث لم يكونوا معتقدين بقلوبهم.

فإن قيل : هذا المذهب يقتضي أن يكون السجود للشمس ليس بكفر ؛ لأنه ليس بجحود ولا تكذيب ، وقد اجتمعت الأمة على تكفير من سجد للشمس ، ووصف فعله بأنه كفر.

قلنا : لا شبهة في وصف من سجد للشمس بأنه كافر ، والإجماع أن سجوده هو الكفر ، وكيف يدعى الإجماع في موضع فيه خلاف جميع المرجئة ، ونحن نقول فيمن ذكرتموه : إنه كافر ونقطع على أن معه تكذيبا وجحودا في قلبه ، وأنه لا إيمان ولا تصديق في قلبه ؛ لأنه لو لم يكن بهذه الصفة لما اجتمعت الأمة على تكفيره ، فنجعل السجود دلالة على ثبوت الجحود والتكذيب في قلبه.

ونظير ذلك رجل شهد النبي صلى الله عليه وآلهوسلم بأنه مستحق للذم والعقاب ، فانا عند معرفتنا بهذه الشهادة نقطع على استحقاقه للذم والعقاب ، لا لأن الشهادة منه صلى الله عليه وآلهوسلم هي الموجبة لاستحقاقه الذم ، لكنها دلالة على ثبوت ما يقتضي استحقاق الذم.

فإن تجوز بأن يقول : السجود للشمس وما أشبهها بأنه كفر ؛ فإنه سمى

Shafi 294