عن الختم على القلوب ، وهذا تلميح منها إلى أن السمع والبصر قد يتعطلان ، أي قد يتعطل الإدراك الحسي كما يتعطل العقلي ، وكما تعلم أن أغلب العلوم البشرية تحصل بواسطة هذين الإدراكين ، وحتى حقانية الوحي ودعوة الأنبياء تكتشف بهما ، ومع تعطلهما فإن طرق الهداية والنجاة ستغلق أمامهم ، وهذا من سوء أعمالهم وهذا ما أرادوه لأنفسهم ، ولا يستلزم جبرا كما يدعيه بعض الظانين.
وقد جاء هذا التعبير في مجال الطبع كذلك ، حيث يقول تعالى في الآية : ( اولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ). (النحل / 108)
والآية التي سبقت الأخيرة أشارت إلى أن هذا الأمر ليس عاما وشاملا لجميع الكفار ، بل يختص بمن شرح صدره للكفر ، حيث يقول تعالى : ( ولكن من شرح بالكفر صدرا ). (النحل / 106)
* *
وقد تحدثت الآية الثانية عشرة عن أقفال القلوب التي قد تكون أشد من الختم (1)، حيث قالت : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) أي أن آيات القرآن تنفذ في القلوب ولو من نوافذ صغيرة ، وذلك لأن منطق القرآن هو البيان البديع ، والبلاغة في التعبير ، والعمق والدقة في التحليل ، وهو نور وضياء خاص ينفذ في قلب كل مؤهل ولو بأقل تأهيل ، ويستحوذ على القلوب ويهز الضمائر ، رغم هذا فانه لا ينفذ في قلوب هؤلاء ولا يهز ضمائرهم أبدا ، وذلك لانغلاق قلوبهم.
إن «أقفال» جمع «قفل» ومن مادة «قفول» ويعني الرجوع ، وبما أن كل من أتى بابا مقفولة رجع ، استعملت هذه المفردة في هذا المجال.
إن التعبير ب «الأقفال» قد يكون إشارة إلى تعدد أقفال القلب بحيث إذا ما فتح قفل بقيت اقفال اخرى ، وهذه في الحقيقة أسوأ مرحلة وأشدها من مراحل حرمان إدراك الحقائق.
Shafi 240