نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار للعلم الحجة آية الله السيد حامد حسين اللكهنوي حديث الثقلين - 1 تأليف السيد علي الحسيني الميلاني الجزء الأول
Shafi 1
جميع الحقوق محفوظة
Shafi 2
بسم الله الرحمن الرحيم
Shafi 3
إهداء إلى حامل لواء الإمامة الكبرى والخلافة العظمى ولي العصر المهدي المنتظر الحجة ابن الحسن العسكري أرواحنا فداه يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين علي
Shafi 5
مقدمة هذه الطبعة لقد سبق وأن انتشر من كتابنا: حديث الثقلين، وحديث السفينة، وحديث النور، وحديث الغدير، وقسم السند من حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها..
وكانت في عشرة أجزاء ووقع - والحمد لله - موقع الرضا والقبول، والتقدير اللائق والثناء الجميل.. من مراجع الأمة، وكبار العلماء، ورجال الفكر والتحقيق.
ولهم مني الشكر الجزيل المتواصل..
ولا عجب.. فإن كتاب (عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار) كتاب لم يؤلف مثله في بابه في السلف والخلف... كما وصفه علماؤنا الكبار..
والجهد الذي بذلته في سبيل إحيائه.. بنقله إلى اللغة العربية، وتخليص لبابه، ومراجعة مصادره، وتنظيم بحوثه، والتعليق والاستدراك عليه.. لا يبذله إلا الأقلون..
ومن شاء الوقوف على جانب من عظمة الكتاب فليرجع إلى المقدمة التي أسميتها ب (دراسات في كتاب العبقات).
Shafi 7
وهذه الطبعة..
جاءت منقحة مما كان في الطبعة السابقة من أخطاء علمية أو فنية أو مطبعية.. ومزيدة بفوائد كثيرة تجعلها متميزة عن تلك.. كتوفر طائفة كبيرة من المصادر المخطوطة سابقا أو العثور على جملة من المطبوعات..
فكان من الضروري إرجاع المطالب المنقولة عنها إليها. والاهم من ذلك: أن بعض المصادر التي نقل عنها بواسطة مؤلفات أخرى أصبحت الآن بأيدينا - بفضل المطابع ودور النشر - فأوردت البحوث عنها مباشرة، ووضعتها في محالها في الكتاب، إلى جنب الروايات المنقولة بالواسطة. كما أني رجحت في قسم من الهوامش أن تكون في المتن ولهذه الأمور وغيرها.. جعلت عنوان الكتاب (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار) وأرجو الله عز وجل أن يجعل هذه العمل خدمة للأمة الاسلامية للوصول إلى وحدتها وإعادة مجدها ، وأن يكون نافعا لي - ولجميع من آزرني فيه بأي نحو من الأنحاء - يوم لا ينفع مال ولا بنون المؤلف
Shafi 8
دراسات في كتاب العبقات
Shafi 9
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.
وبعد: فإن الاعتقادات أشرف الموضوعات، وأهمها الإمامة، فإن من العدل نصب الإمام على العباد كي يعبد به الله تعالى، وتتبع سنن النبي صلى الله عليه وآله، ويصلح أمر المعاد.
وكتاب " عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار " أجل ما كتب في الإمامة من صدر الاسلام إلى الآن، ولم يكتب مثله في بابه في السلف والخلف، ومن كتب بعده فيها فعيال عليه، وناسج على منواله، وسالك في سبيله..
وقد من الله تعالى علي أن وفقني لتعريبه وتهذيبه ومراجعة مصادره وتحقيقه منذ عام 1385، وبعد أن شرعت بدراسة العلوم الاسلامية في الحوزات العلمية.. فكان كلما سنحت لي فرصة انتهزتها لخدمته، وكلما
Shafi 11
حصلت في الدروس عطلة صرفتها في كتابته.. حتى تم إعداد عدة مجلدات منه، وطبع حتى الآن عشرة أجزاء بمدينة قم في الفترة ما بين سنة 1398 وسنة 1408 ه.
وقد كانت لي مذكرات كتبتها في خلال العمل حول الكتاب وأساليبه في ردوده واستدلالاته، ومات يتوفر عليه من فوائد وتحقيقات لم يسبق إليها في سائر المؤلفات، وإضافات على ما كتبته في حياة المؤلف وأسرته والتعريف بكتابه ومكتبته.
فلما عزمنا - بحول الله وقوته، ورعاية سيدنا الإمام المهدي عجل الله فرجه وعنايته - على إعادة طبع تلك المجلدات والاستمرار في طبع ما بقي منها، دونت تلك المذكرات، وجعلتها في أبواب تتقدمها تمهيدات، فالباب الأول: في بيان التزام المؤلف بقواعد البحث وآداب المناظرة، والثاني: في أسلوبه في الاستدلال، والثالث: في أسلوبه في الرد، والرابع: في بحوث وتحقيقات في كتاب العبقات، والخامس: في التعريف بالكتاب، والسادس: في ترجمة المؤلف ومشاهير أسرته، والسابع: في التعريف بمكتبة الأسرة، والثامن: في التعريف بكتاب التحفة الاثني عشرية، والتاسع، في ترجمة مؤلف التحفة الاثني عشرية، والعاشر: في بيان عملنا في الكتاب .
وقد سميت هذه المجموعة باسم (دراسات في كتاب العبقات).
والله أسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يتقبلها بأحسن قبول، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى. إنه سميع مجيب.
قم المشرفة 1 / محرم الحرام / 1411 علي الحسيني الميلاني
Shafi 12
تمهيدات * (1) * لبى النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعوة ربه.. لكن شريعته خاتمة الشرائع ولا نبي بعده.. فلا بد له من وصي يقوم بأمره، وخليفة يخلفه في أمته.
وهذا أمر لا خلاف فيه ولا كلام.
إنما الكلام في شخص الخليفة عن رسول الله، فأصحابه صلى الله عليه وآله وسلم كثيرون عددا، وفيهم المهاجرون والأنصار، القرشيون وغيرهم، والأقارب والأباعد..
فمن الخليفة من بعده؟
وما الطريق إلى معرفته؟
يقول الله عز وجل: * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) * 1.
Shafi 13
ويقول سبحانه: * (.. فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) * 1.
ويقول تعالى: * (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) * 2.
ويقول: * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) * 3.
و (الإمامة) " شئ " تنازعت الأمة فيه، وأمر " شجر " بينهم، فيجب ردها إلى " الله والرسول ".. وهم.. - وربك - لا يؤمنون حتى يحكموا النبي صلى الله عليه وآله فيها، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضى، ولا يكون لهم الخيرة، ويسلموا تسليما..
والعقل يرى أن أقرب الطرق وأوثقها إلى معرفة " الوصي " هو الرجوع إلى نفس " النبي ".. هذا النبي الذي * (ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * 4.. ولو فرض أنه قد فوض إليه أمر تعيين الخليفة من بعده، فإنه أعرف الناس بأصحابه، وأحرصهم على أمته..
فلنرجع إلى الله والرسول، أي: إلى الكتاب والسنة.
* (2) * في القرآن الكريم طوائف من الآيات لها علاقة بمسألة الإمامة والخلافة:
1 - الآية الواردة في خصوص مسألة الإمامة، وهي قوله تعالى:
* (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن. قال إني جاعلك للناس إماما
Shafi 14
قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) * 1.
إذن: " الإمامة " لا تنال: " الظالمين ".
2 - الآيات التي تعطينا الملاك العام للأفضلية والتقدم، كقوله تعالى:
* (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * 2.
* (يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات) * 3.
* (فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) * 4.
فملاك التقدم في هذه الآيات هو " التقوى " و " العلم " و " الجهاد ".
3 - الآيات النازلة في قضايا ومواطن خاصة، في حق أشخاص من الصحابة يستدل بها على الأولوية بالإمامة، كقوله تعالى:
* (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * 5.
فقد جعل الله سبحانه في هذه الآية " الولاية " لمن آمن وأقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع.
إلا أن المرجع في تعيين من نزلت في حقه هو " السنة ".
وفي السنة أيضا طوائف من الأحاديث لها علاقة بموضوع الإمامة والخلافة أهمها طائفتان:
الأولى: النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله في خصوص موضوع الإمامة والخلافة.
والثانية: النصوص الواردة في تفسير الآيات المتعلقة بالإمامة المشار
Shafi 15
إليها..
ونحن يمكننا معرفة " الوصي " على ضوء النصوص من الطائفة الأولى، كما يمكننا معرفته بمراجعة نصوص الطائفة الثانية، والنظر في كلمات المفسرين وأخبار المؤرخين حول نزول تلك الآيات.
وإذا تم ذلك وجب العمل والاتباع عقلا ونقلا - كما أشرنا - وبذلك يرتفع " التنازع " و " التشاجر ".. * (فلا وربك لا يؤمنون حتى..
يسلموا تسليما) *.
وإن إمكان تعيين الخليفة على ضوء تلك الأحاديث، يتوقف على ثبوتها سندا ودلالة، أي: لا بد أولا من الوثوق بصدور الحديث من النبي صلى الله عليه وآله، فإذا ثبت صدوره عنه نظرنا في مدلوله ومفاده، فإن دل على معنى - من غير معارض له في ذلك - أخذنا به وقلنا: هذا ما قضى الله ورسوله به، وصدق الله ورسوله.
وهذه هي الطريقة التي يتبعها الفقهاء بالنسبة إلى نصوص الفروع الفقهية والمسائل الشرعية، فلماذا لا تتبع في نصوص مسألة الإمامة؟
* (3) * نشأت الطائفة الشيعية في حياة النبي صلى الله عليه وآله - كما دلت الأحاديث المتفق عليها - والشيعي من شايع عليا 1 وتابعه ووالاه. وقد عرف بهذه الصفة عدة من خيار صحابة النبي، اعتقدوا إمامته عليه السلام للأمة وخلافته بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وانحازوا إليه بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يفارقوه حين فارقه الناس، ولم يعرضوا عنه حين أعرض عنه الجمهور..
وتطورت هذه الفرقة، وامتدت جذورها إلى جميع الأقطار، وانتشرت
Shafi 16
عقائدها في كل مكان، واعتنقها طائفة كبيرة من التابعين فمن بعدهم، رجعوا إلى أئمة أهل البيت فيما أشكل عليهم من الكتاب والسنة، وعندهم درسوا، وعنهم أخذوا. فكان فيهم المفسرون، والفقهاء، والمحدثون، والزهاد، والعلماء..
حتى جاء دور الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، فأصل الأصول وشيد الأركان، فعرف مذهب هذه الفرقة ب " المذهب الجعفري ".
* (4) * واشتغل الشيعة في مسألة " الإمامة " منذ وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجد وجهد، لأنها عندهم " زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين ".
" إن الإمامة أس الاسلام النامي، وفرعه السامي ".
" بالامام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفئ والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف " 1.
فدافعوا عنها، وضحوا من أجلها، واستسهلوا المشاق في سبيلها، ولم تثن عزائمهم السياط ولا السجون، وحتى استشهد من لا يحصي عددهم إلا الله.
قالوا: " الخليفة " بعد النبي صلى الله عليه وآله هو " علي بن أبي طالب " لا سواه.. واستدلوا - منذ اليوم الأول - لما قالوا بالكتاب والسنة.. فإنه " ما من شئ إلا وفيه كتاب أو سنة " 2.. وهما المرجع في كل شئ، ولا يكون المؤمن مؤمنا حتى يسلم لما جاءا به تسليما..
ثم ألفوا في ذلك الكتب، ونظموا الأشعار.. في ظروف قاسية وأيام صعبة، يتتبعهم الجواسيس، وتلاحقهم السلطات..
Shafi 17
ومع ذلك كله تراهم - إذا نظرت أحوالهم وسبرت أخبارهم - لا يعتمدون في بحوثهم إلا على الكتاب والسنة، يطلبون الحق، وينشدون الحقيقة، رائدهم الدين الصحيح، والاصلاح ما استطاعوا، بهدوء ووقار، ونقاش متين، وأدب رفيع، وجدال بالتي هي أحسن...
* (5) * ويعتقد الشيعة الإمامية بأن مسألة " الإمامة " بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي مسألة أصولية كالنبوة 1. وبأن في النصوص الواردة عنه صلى الله عليه وآله في تعيين الإمام من بعده غنى عن أي دليل آخر. وهم - وإن كان اعتمادهم في السنة على ما ورد عنه صلى الله عليه وآله بطريق أهل بيته المعصومين - يحتجون في هذه المسألة بالنصوص الواردة عن طريق خصومهم، والمسطورة في أسفار مخالفيهم.. هذا من حيث السند.
وأما من حيث الدلالة.. فقد صدرت تلك الأقوال من النبي الكريم صلى الله عليه وآله " بلسان عربي مبين ". وكما يرجع في فهم كلماته والألفاظ الصادرة عنه في مسائل الصلاة، والصيام، والحج، والجهاد، والبيع، والشراء، والنكاح، والطلاق.. وأمثالها.. إلى العرف واللغة.. كذلك يرجع الشيعة في فهم مداليل ألفاظه في مسألة الإمامة والخلافة إلى اللغة
Shafi 18
والعرف، وإلى سائر الأحاديث النبوية، لأن " الحديث يفسر بعضه بعضا ".
وفي هذا المقام أيضا يحتج الشيعة بكلمات علماء أهل السنة في التفسير واللغة والأدب وغير ذلك..
هذه طريقة الشيعة في الاستدلال بالنصوص على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، وهي طريقة واضحة لا غموض فيها ولا اعوجاج ولا اضطراب..
وقال أهل السنة بأن " الخليفة " بعد النبي صلى الله عليه وآله هو " أبو بكر ".. وقد اختلف استدلالهم على هذا الاعتقاد، واضطربت كلماتهم.. فتارة: يستدلون بالنصوص التي يروونها في فضل أبي بكر مثل:
" لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر ". وأخرى: يستدلون بالأفضلية.
فقالوا بأن " الأتقى " في قوله تعالى: * (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما له عند أحد من نعمة تجزى) * هو " أبو بكر " و " الأتقى " هو " الأفضل " لقوله تعالى: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * فأبو بكر هو الأفضل. ولا تنعقد ولاية المفضول عند وجود " الأفضل ". وثالثة: يستدلون بالاجماع.
وأجاب الشيعة ببطلان الحديث المذكور سندا ودلالة.
وبأن المرجع في تعيين المراد من " الأتقى " في الآية هو السنة.
وبأن الإجماع غير منعقد على خلافة أبي بكر.
* (6) * وأنكر أهل السنة النص على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، وألفوا الكتب في الرد على الشيعة، إلا أنها - في الأكثر - مشحونة بالبغضاء والشحناء، والسب والإهانة، والكذب والبهتان...
لينظر المنصف إلى ما كتبه العلامة الحلي المتوفى سنة 726 مثل كتاب (منهاج الكرامة في الإمامة) وكتاب (نهج الحق).. ليرى هناك
Shafi 19
الاحتجاج بصحاح أهل السنة، وسائر كتبهم المعتمدة في الفنون المختلفة، بأسلوب متين، لا تعصب فيه ولا تعسف.. ثم لينظر إلى كتاب (منهاج السنة) 1 الذي كتبه أحمد بن عبد الحليم المعروف بابن تيمية في الرد على (منهاج الكرامة).. وما كتبه فضل الله بن روزبهان الخنجي في الرد على (نهج الحق) وهو الكتاب الذي أسماه ب (إبطال نهج الباطل) 2.
فهل قابلاه بالمثل استدلالا وأدبا ومتانة؟
ثم إن أقل ما يجده المنصف المتتبع لكتب أهل السنة هو التعصب وإنكار الحقيقة.. ولنذكر لذلك مثالا:
يقول الشيعي: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يوم غدير خم:
" ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
فيقول رجل من أهل السنة: هذا كذب لم يقله رسول الله.
فيجيب الشيعي قائلا: أخرجه فلان وفلان من أهل السنة.
فإذا رأى السني أن لا جدوى لإنكار أصل القضية قال:
وأين كان علي في ذاك اليوم؟ كان باليمن..
فيعود الشيعي ليقول: روى قدومه من اليمن فلان وفلان.. من أهل السنة.
وإذا انتهى دور المكابرة في السند. قال:
صدر الحديث: ألست أولى.. " من وضع الشيعة.
Shafi 20
فأجاب الشيعي: رواه فلان وفلان من أهل السنة..
فيدعي إنكار أهل اللغة مجئ (المولى) بمعنى (الأولى).
فيخرج له الشيعي قائمة بأسماء اللغويين الذين نصوا على ذلك وهم من أهل السنة.
ومثال آخر:
يقول الشيعي قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها ".
فأول ما ينكر السني صدور هذا الحديث عنه صلى الله عليه وآله.
فإذا رأى أسماء رواته من كبار علماء طائفته قال:
فأبو بكر و.. أبواب كذلك.
فإذا أثبت له الشيعي جهل هؤلاء بأبسط المسائل على ضوء كتب أهل السنة قال:
ليس " علي " في الحديث علما، بل هو وصف للباب بمعنى " مرتفع ".
لماذا هذا التلاعب بالنصوص النبوية؟ وهلا فعلوا ذلك بلفظ " الصلاة " و " الحج " و " الوضوء " و " الغسل " وأمثالها؟
* (7) * وقد شكلت كتب الردود قسما كبيرا من مؤلفات الإمامية في مسائل الإمامة، كما لا يخفى على من لاحظ فهارس المؤلفات.
والسبب في ذلك هو أن أهل السنة لا بضاعة لهم إلا الكذب والانكار، فمن السهل عليهم أن يقولوا حديث: " مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح فمن ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك " كذب موضوع. أو أن حديث: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك يأكل معي من هذا الطائر، فجاء علي فأكل معه " لم يروه أحد من أصحاب الصحاح ولا
Shafi 21
صححه أئمة الحديث. أو حديث: " خلقت أنا وعلي من نور واحد " موضوع بإجماع أهل السنة.
أو يقولوا في جواب: " من كنت مولاه فعلي مولاه " لم يقل أحد من أهل العربية بمجئ (المولى) بمعنى (الأولى). أو أن " علي " في " أنا مدينة العلم وعلي بابها " هو من " العلو " أي مرتفع، أو أن المراد من " بأحب خلقك إليك وإلى رسولك يأكل معي.. " هو " الأحب في الأكل مع النبي "..
إن كل واحد من هذه الأقاويل سطر واحد أو سطران، لكن الجواب عنه يستدعي فصلا كبيرا من البحث، وربما يشكل كتابا برأسه، كما هو واضح.
فمن هنا ترى كثرة كتب الرد عند الشيعة قديما وحديثا:
فألف عمرو بن بحر الجاحظ كتاب (العثمانية). ورد عليه جماعة من أعلام الشيعة بردود اشتهرت ب (نقص العثمانية)، كما رد عليه أبو جعفر الإسكافي من المعتزلة.
وألف السيد المرتضى علي بن الحسين الموسوي كتاب (الشافي في الإمامة) ردا على كتاب (المغني) للقاضي عبد الجبار بن أحمد، ثم لخصه تلميذه الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، واشتهر كتابه ب (تلخيص الشافي).
وألف شهاب الدين الشافعي الرازي 1 من بني مشاط كتاب (بعض فضائح الروافض).
فرد عليه الشيخ نصير الدين عبد الجليل بن أبي الحسين بكتاب (بعض مثالب النواصب في نقض بعض فضائح الروافض).
وألف يوسف الأعور الشافعي الواسطي كتاب (الرسالة المعارضة في
Shafi 22
الرد على الرافضة). فرد عليه: الشيخ عز الدين الحسن بن شمس الدين المهلبي الحلي بكتاب (الأنوار البدرية في كشف شبه القدرية) قال فيه:
" التزمت فيه على أن لا أستدل من المنقول عن الرسول صلى الله عليه وآله إلا بما ثبت من طريق الخصم ولا أفعل كما فعل الناصب في كتابه ". والشيخ نجم الدين خضر بن محمد الحبلرودي الرازي بكتاب (التوضيح الأنور في دفع شبه الأعور).
وألف شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي المكي كتاب (الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة). فرد عليه القاضي نور الله الشهيد بكتاب (الصوارم المهرقة في رد الصواعق المحرقة) وكذا السيد مير محمد القزويني المعاصر.
.. وهكذا.. توالت كتب التهجم على الشيعة حتى زماننا، فألف كتاب من أهل السنة في هذا العصر (الصراع بين الوثنية والاسلام) و (الوشيعة في رد عقائد الشيعة) و (الخطوط العريضة) و (مسائل موسى جار الله) و... و.. وصدرت كتب الردود عليها من قبل علماء الشيعة..
* (8) * وكان لعلماء الهند من الفريقين السهم الوافر والدور البارز في هذا الباب، فالهند بلاد واسعة يقطنها الملايين من المسلمين، أنجبت في كل فرقة علماء ورجالا تركوا آثارا خالدة في مختلف العلوم الاسلامية. ومن الطبيعي أن تدعو كل فرقة إلى نفسها، وتستغل كافة الوسائل في سبيل نشر عقائدها، وقد ساعد على ذلك ما في بلاد الهند من حرية الفكر والقول والتأليف والنشر.
وقد بلغ النشاط الفكري والصراع العقائدي ذروته في الهند في القرنين الثاني عشر والثالث عشر.. فقد نبغ بين الشيعة الفقيه المجاهد الكبير السيد
Shafi 23