Nabi Musa Wa Tall Camarna
النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة (الجزء الأول): موسوعة تاريخية جغرافية إثنية دينية
Nau'ikan
أن هناك «قناة عرضية»، كانت تربط فرعا شرقيا لدلتا النيل بخليج السويس، عبورا على البحيرات الواقعة بينهما. لكن من عند البحيرات جنوبا وحتى خليج السويس العربي، ينعدم وجود تلك القناة، لعدم وجود أي أثر حديث لطمي النيل في حوض القلزم جميعه، والأثر القديم للطمي يشير إلى أن النيل كان له في العصور الجيولوجية القديمة، فرع قديم متدهور يسير في حوض القلزم حتى السويس، وهو ما يعني تراجع البحر عن حوض القلزم والبحيرات قبل ذلك بأزمان، ليسمح للنهر وطميه بالتواجد في هذا الحوض، وتبقى مشكلة من أين أتت الآثار الباقية لمياه البحر المالح (الأحدث) بحوض القلزم؟ (2)
زمن الحملة الفرنسية على مصر، لم تكن قناة سيزوستريس موجودة عمليا، لكن زمن الفيضان كانت مياه النيل تجري شرقا بشكل طبيعي تماما مندفعة مخترقة وادي طميلات، حتى تصب عند رأس المية قرب المسخوطة وبحيرة التمساح؛ مما يشير إلى وجود فرع نيلي قديم تجري محله تلك المياه. (3)
أن إشارة هيرودت لاتساع القناة، بحيث تستوعب «عابرتين متجاورتين»، من السفن البحرية ذوات الثلاثة صفوف من المجاديف، تشير إلى أن القناة لم تكن مجرد ترعة صغيرة، إنما جهزت لاستقبال السفن العابرة للبحار؛ مما يتعارض مع القول إنها كانت فرعا ضعيفا واهنا. (4)
أن أحد البطالمة أراد إعادة حفر القناة، فأكد له مهندسوه أن مستوى البحر الأحمر أعلى بمقدار ثلاثة أذرع، وهو ما وجدناه حقيقة إبان ارتحالتنا وراء مواقع الأحداث؛ إذ ينخفض هذا «الحوض حوالي خمسة عشر مترا» عن سطح البحر، وأمر بطلميوس بإيقاف المشروع، بعدما تبين له الخطر عندما وصل بالحفر إلى البحيرات المرة؛ «مما يشكك في كل ما سبق».
والآن ما قيمة كل تلك المعلومات؟ وماذا لدينا لينتج جديدا بعد النماذج التي طرحناها لعلماء أجلاء، من أجل تحديد موقع مدينتي رعمسيس وفيثوم الواقعتين في مقاطعة جاسان؟
لقد تأكد لنا من المؤرخين والجغرافيين الكلاسيك، وجود فرعين شرقيين منقرضين للنيل، كان الأول وهو البيلوزي ينطلق من جنوبي تل البسطة أي من الفرع البوباستي، ويتجه نحو الشمال الشرقي ليصب عند بيلوزيوم/الفرما، والثاني ينطلق من موضع ما بالقرب من بسطة بدوره، ليتجه شرقا عبر وادي طميلات، ليلتقي ببحيرة التمساح، ويتصل بعد ذلك بالبحيرات المرة، ثم يهبط إلى رأس خليج السويس، وعرفه المؤرخون الكلاسيك باسم قناة سيزوستريس. وقد وصلتنا خرائط أولية رفعت عليها القناتان كما في خريطة استرابون وخريطة هيرودت (حسب تفسير بول)، في زمن كان فيه النيل لم يزل يحتفظ بسبعة أفرع بالدلتا، وقبل أن تنقرض جميعا وتتحول إلى ترع ومصارف، بحيث لم يبق منها الآن سوى فرعي دمياط ورشيد.
وحتى زمن الحملة الفرنسية، نسمع «لوبير» أحد علماء الحملة، يؤكد أنه حتى زمانه - فقط منذ قرنين من الزمان - كان الفيضان يدفع بكميات هائلة من الماء شرقا، حتى قرب المسخوطة غربي بحيرة التمساح على حدود سيناء الغربية، وذلك يعني أنه مع انقراض فروع الدلتا القديمة، «فإن الماء كان يعرف طريقه الشرقي العتيق حتى زمن الحملة الفرنسية»، ويتفق ذلك مع تقرير عالم الحملة المسيو ديفليه عن رأس المية، عند موضع ألسنة كراش قرب بحيرة التمساح، كمصب للمياه المتدفقة من النيل نحو الشرق.
كما أن ذات الخرائط القديمة تؤكد وجود قناة، تربط بين الفرع البوبسطي وبين خليج السويس، وقال هيرودت حسبما وصله إنها حفرت زمن نخاو، ولكنا ذهبنا إلى أنها حفرت قبل ذلك بزمان، ربما من أيام خيتي في العصر المتوسط الأول، لكن بالتأكيد منذ زمن آمنحتب الثالث وزوجته تي، لكن هيرودت يقول إن بطلميوس لما حاول حفرها من جديد، حذره مهندسوه لانخفاض سطح مصر هناك عن مستوى سطح البحر، ويكون السؤال البدهي: «إذا كانت الأرض هناك منخفضة عن سطح البحر وهو الثابت فعلا، فكيف أمكن حفر القناة زمن نخاو ومن قبله آمنحتب الثالث، ثم زمن سيزوستريس ومن قبله زمن خيتي أو أخيتوي قبل الدولة الوسطى وقبل الجميع؟» لم نجد حلا سوى افتراض أن قناة سيزوستريس، لم يكن الغرض منها إيصال الماء العذب إلى منطقة القلزم والبحيرات، كهدف أول لمثل هذا العمل، بدليل أنها بالفعل لم تصل بمائها العذب إلى هناك، حيث لم يعثر على طمي النيل في حوض القلزم، وعوضا عنه وجدنا آثارا بحرية، وعليه «لا حل سوى افتراض أن غرض القناة كان غرضا تجاريا عسكريا في المقام الأول»، فلم يشغل الفرعون الماء العذب أو المالح، إنما شغله إقامة الخط التجاري البحري، وخط حماية خندقي بالمياه، هو ما نعتقد أنه المعروف في التاريخ المصري القديم، باسم سور الأمير (الحاكم) الذي يصد الآسيويين. لقد تم حفر القناة ليس لتحمل مياه النيل من عند مصبها عند بحيرة التمساح إلى الخليج، بل العكس هو المقصود، أي «لتحمل مياه البحر الأحمر المنحدرة في القناة»، بعد إزالة الحاجز الرملي الكبير، لتندفع باتجاه البحيرات عبر حوض القلزم، ثم نحو الوادي المنخفض طميلات، حتى تتوقف عند أكثر المناطق موازنة على اليابس مع سطح البحر، وهناك - عند منطقة التوازن - تلتقي المياه الحلوة القادمة من القناة من الغرب، من مخرجها عند الفرع البوبسطي.
ولأن الماء المالح كان لا بد سيختلط بالحلو، ويغلب أحدهما الآخر حسب قوته وتدفقه، فقد لاحظ الدكتور «نصحي» ذلك، وقال لمحة سريعة في جملة واحدة: إن «حوض البحيرات المرة كان بمثابة حوض موازنة، بين المياه القادمة من النيل، وبين المياه القادمة من البحر الأحمر.»
25
Shafi da ba'a sani ba