Nabi Musa Wa Tall Camarna
النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة (الجزء الأول): موسوعة تاريخية جغرافية إثنية دينية
Nau'ikan
وقد عبد البطاركة الأوائل من إبراهيم إلى إسحاق إلى يعقوب حتى زمن موسى، الإله السامي المعروف بكبير الآلهة «إيل»، لكن إلى جواره كانت عبادة الأصنام شيئا اعتياديا معلوما بالتوراة، فهذه راحيل زوجة يعقوب تسرق أصنام أبيها المنزلية اعتزازا بها، عندما غادرت موطنها حاران إلى فلسطين بصحبة زوجها يعقوب (تكوين، 31: 34)، وقد بقيت هذه الآلهة مع غيرها في بيت يعقوب على ما يفهم من الإصحاح (35: 1-2) من سفر التكوين، كذلك نجد ذات الأصنام المنزلية موجودة بشكل اعتيادي في بيت الملك «داود بن يس»، بعد قرون طويلة باسم «الترافيم»، وهو ما يوضحه لنا سفر صموئيل أول (19: 12-13)، بل يبدو أن الرب يهوه نفسه وهو في عزه، عند مطلع القرن السادس قبل الميلاد، لم يكن متفردا، فهناك جالية يهودية عاشت في ألفنتين عند أسوان بمصر، وحافظت على مأثور «اختفى في التوراة ولم يذكر، فكانت تعبد إلى جوار يهوه زوجته عناة يهوه»، ومعلوم أن اسم عناة كان لربة الخصب الكنعانية، وهو اسم زوجات البعول بشكل اعتيادي.
1
والإله يهوه نفسه في التوراة وبلسانه هو لم يدع لحظة، أنه رب البشر أجمعين بمفرده، بل كان نقيض ذلك تماما، فهو يعترف ببساطة بوجود آلهة أخرى أبدى غيرته منها، ووجد أن من حقه على الشعب الذي اختاره أن يميزه عن هذه الآلهة ويعبده دونها؛ لذلك كانت الوصية الأولى بين الوصايا العشر «لا يكن لك آلهة أخرى أمامي» (خروج، 20: 3) لذلك - ومثل جميع القبائل - عظمت القبيلة الإسرائيلية ربها يهوه، وعبرت التوراة عن انزعاجها من عبادة الإسرائيليين لآلهة أخرى لقبائل أخرى، فالمزمور (86: 8) ينادي مؤكدا: «لا مثل لك بين الآلهة يا رب.» ويقول المزمور (135: 5): «عرفت أن الرب عظيم، وربنا فوق جميع الآلهة.» أما أمر يهوه لموسى وأتباعه فكان: «لا تسجد لإله آخر؛ لأن الرب اسمه غيور، إله غيور هو» (خروج، 34: 14).
وكان الشرك بمعنى عبادة آلهة عديدة واضحا في أفق تلك العقيدة منذ بدئها حتى نهاية تدوين الكتاب المقدس اليهودي، ففي أسفاره الأولى المبكرة نجده يقول صراحة: «آباؤكم ... عبدوا آلهة أخرى» (يشوع، 24: 2)، والآباء هم البطاركة من إبراهيم حتى موسى.
ولم يقتصر ذلك على زمن إيل والبطاركة الأوائل، بل يبدو أنه كان سمة زمن يهوه منذ موسى، فترنيمة الخروج تتساءل: «من مثلك بين الآلهة يا رب؟» (خروج، 15: 11)، و«الآن علمت أن يهوه أعظم من جميع الآلهة» (خروج، 18: 11)، وحتى الأزمنة المتأخرة المفترض أن يهوه قد تفرد فيها بالعبادة وحده، نسمع النبي إرميا ينادي شعبه صارخا فيه منددا: «بعدد مدنك صارت آلهتك يا يهوذا» (إرميا، 11: 13).
وخلال ذلك السير التطوري الطويل كان كهنة يهوه وأنبياؤه، يكافحون طوال الوقت العبادات الغريبة الأخرى، وحاولوا - خاصة في الأسفار الأخيرة - تمييز يهوه بحسبانه ربا عالميا، ومع التطور أمكن لهم إدماج جميع الرموز المعبودة في التاريخ اليهودي في رب واحد هو يهوه، الذي صار ربا واحدا لكن تتجلى فيه قدرات آلهة أخرى قديمة، فهو رب البرق والرعد والأعاصير مثل «بعل» الكنعاني، وهو الذي ينزل السخط والعذاب والجوع والجفاف مثل «سيت» المصري، وهو رب الرحمة رغم ذلك مثل «أوزيريس» المصري، وهو أيضا رب البراكين والزلازل المدمرة مثل «تيفون» رب الشر والوباء اليوناني، وهو الذي قتل الحية الشريرة المعروفة في مصر باسم «أبو فيس» عدو رع إله الشمس، والمعروفة في بلاد الشام باسم «لوياثان الحية المتعددة الرءوس»، ومثلما كان رع رب الدولة المصري وأتباعه، ينتصرون على أبو فيس الشرير الظلامي كل يوم، لتعود الشمس ساطعة في اليوم التالي، وكما كان البعل الكنعاني ينتصر على لوياثان، فإن ذات المهمة قد نسبت إلى يهوه، فنجد وصفا مرعبا للوياثان في الكتاب اليهودي المقدس يقول: «من يفتح مصراعي فمه، دائرة أسنانه مرعبة، عطاسه يبعث نورا وعيناه كهدب الصبح، من فيه تخرج مصابيح، شرار نار يتطاير منه، من منخريه يخرج دخان، كأنه من قدر منفوخ أو من مرجل، نفسه يشعل حجرا ...» (أيوب، 41: 14-20)، وهذا التنين الثعباني قد قتله يهوه في النص «أنت شققت البحر بقوتك، كسرت رءوس التنانين على المياه، أنت رضضت رءوس لوياثان» (المزمور، 74).
وهو الأمر الذي سجلته لنا ألواح أوغاريت المكتشفة على الساحل السوري (رأس شمرا الآن) قبل التوراة بأزمان، فنقرأ في ملحمة البعل: «في ذلك الوقت ستقتل لوياثان الحية الهاربة، وتضع نهاية للحية الملتوية شالياط ذات الرءوس السبع.»
2
وقد كررت هذا النص التوراة في قولها نصيا: «في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد لوياثان الحية المتحوية» (إشعيا، 27: 1).
وأدمجت جميع الآلهة ووظائفها في شخص يهوه، بعضها كان يمثل الخير، وبعضها الآخر يمثل الشر، وتم دمجها في يهوه فحاز الدورين معا، فهو رب الخير والخصب، وهو رب الشر والجفاف، «أنت فجرت عينا وسيلا، أنت أيبست أنهارا دائمة الجريان، لك النهار ولك الليل أيضا» (المزمور، 74: 15).
Shafi da ba'a sani ba