Annabi Ibrahim da Tarihin da Ba a Sani Ba
النبي إبراهيم والتاريخ المجهول
Nau'ikan
ثم يدلي «ابن كثير» بسنده الشرعي للأخذ من التوراة، حتى لا يقع عليه لوم أو تثريب، فيورد حديث النبي محمد
صلى الله عليه وسلم : «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، وحدثوا عني ولا تكذبوا، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.»
ثم يعقب على الحديث بالقول: «فهو محمول على الإسرائيليات المسكوت عليها عندنا، فليس عندنا ما يصدقها ولا يكذبها، ويجوز روايتها للاعتبار، وهذا هو الذي نستعمله في كتابنا هذا.»
4
وهكذا يعي «ابن كثير» حجم المعارضة التي قد يلقاها من المسلمين نتيجة لجوئه إلى الإسرائيليات، فيقرر - بداية - للجميع أنه لن ينقل منها إلا ما وافق الشرع، ولم يخالف الكتاب والسنة، ثم يصف ما حشا به مؤلفه الهائل من إسرائيليات، بأنها - نعم - وردت في التوراة، لكن لم يصدر بشأنها حكم إسلامي بالصدق أو الكذب، ولعل «ابن كثير» كان واضحا تمام الوضوح، وصريحا كل الصراحة، وهو يورد الأسباب التي دعته للأخذ بالإسرائيليات، وهي أولا: أنه قد جاء في الإسلام أمور مختصرة تحتاج لمزيد شرح وتفصيل «مما فيه بسط لمختصر عندنا»، وثانيا: إعطاء الأسماء والإيضاحات لأمور وردت في الشرع الإسلامي، لكنها غير مفهومة «تسمية لمبهم ورد به شرعنا»، أما لماذا كانت مبهمة وغير مفهومة في الإسلام؟ فهو ما يجيب عنه بالقول: لأنه «لا فائدة في تعيينها لنا»!
وهنا نقف مندهشين من أمر هذا الكاتب الجليل، فإذا كان القصد من شرعنا في اختصاره وإبهامه أنه لا فائدة من تعيينه لنا، وكانت تلك قاعدة، فلماذا إذن تجاوزها ابن كثير الدمشقي وصحبه، ومن ضرب في دربه من الإخباريين المسلمين وهم كثير؟! الأمر إذن ليس بقاعدة دائمة الحضور، ولا ريب أنه بعد مرور ستة قرون منذ زمن النبي محمد
صلى الله عليه وسلم
وحتى عصر ابن كثير، كانت كفيلة بظهور إشكاليات لم توجد زمن النبوة، ومن هنا احتاجت طبيعة المجتمع الجديد إلى تفصيل المختصر وبسط المبهم، ولا ينسى الحافظ ابن كثير أن يشير بحذر واضح إلى أن التفاصيل المأخوذة من التوراة إنما جاءت «على سبيل التحلي بها لا على سبيل الاحتياج إليها»، بينما الواضح أنه قد أورد مقدما أسباب هذا «الاحتياج إليه» وظروفه، خاصة أنه لجأ إلى حجة أخرى غير مجرد التجمل والتحلي، فيقول: إنه لجأ إلى إسرائيليات مسكوت عنها في الإسلام، ولم يصدر بشأنها قرار واضح المعالم، لذلك وجبت روايتها «للاعتبار» والاعتبار يعني الفائدة الحكمية منها، وأخذ العبرة والعظة، إضافة إلى ما يحمله تعبير «الاعتبار» من معنى عدم الإهمال والتغاضي عنه، والإقلال من شأنه.
وإذا كان عصر ابن كثير بعد ستة قرون من النبوة قد اضطره إلى اللجوء للتوراة، فإن عصرنا بعد أكثر من أربعة عشر قرنا «قد أصبح يحتاج إعادة نظر في الأمر برمته»، وبخاصة في إسرائيليات التراث الإسلامي، التي كانت توراتية الأصل، وأصبحت منذ عهد الإخباريين المسلمين تراثا إسلاميا بحتا.
وإعمالا لكل ذلك، فإن لجوءنا للتوراة، لبحث الإشكاليات المثارة في بحثنا هذا حول النبي إبراهيم عليه السلام، والتي ربما كانت التوراة ذاتها سبب إثارتها الأساسي، ليس ابتداعا من جانبنا لجديد، لكن الرجوع من جانبنا للتوراة، لن يكون لمجرد التحلي بها ، فهي في بحثنا هذا طرف جدلي يسبب إثارة المشكلة، ويشارك في حلها ولو مضطرا، مع الاستعانة بكتب التراث الإسلامية، التي لم تكن بالطبع مجرد تابع أمين للتوراة، إنما خالفت هنا، وقالت كلمتها هناك، كما أنه قد ورد عند الإخباريين المسلمين ما نزعم أنه ليس مجرد أساطير الأولين، ومخاريق الأقدمين، بل فيه للباحث المدقق إشارات واضحة إلى سبل عدة، يمكن لو استقرأها واستشرفها أن تهدي إلى إضاءات وكشوف، شرط الالتزام بصرامة شروط المنهج العلمي، وما تفرضه من وجوب محاكمة النصوص محاكمة عادلة؛ ليتمكن في النهاية من استصفاء ما يتفق ومنطق الحدث، وزمانه ومكانه وظروفه.
Shafi da ba'a sani ba