قوله: (لَبَطَلَ التكليف) قُلْنا: بالمعرفة.
أمَّا بسائر التكاليف فلا.
انتهى.
وقال أبو الفتح بن برهان: في كتاب الوصول إلى الأصول:
اختلف العلماءُ في اللغة: هل تَثبُتُ توقيفا أو اصطلاحا فذهبت المعتزلةُ إلى أن اللغات بأسْرها تثبت اصطلاحا وذهبت طائفةٌ إلى أنها تثبتُ توقيفا.
وزعم الأستاذُ أبو إسحاق الإسفرائيني أن القدر الذي يدعو به الإنسان غيره إلى التَّواضع يَثْبتُ توقيفا وما عدا ذلك يجوز أن يثبت بكل واحدٍ من الطريقين.
وقال القاضي أبو بكر: يجوز أن يثبت توقيفا ويجوز أن يثبت اصطلاحا ويجوز أن يثبت بعضه توفيقا وبعضه اصطلاحا والكل ممكن.
وعمدة القاضي أن الممْكن هو الذي لو قُدِّر موجودا لم يعرض لوجوده محال ويعلم أن هذه الوجوه لو قُدِّرَت لم يعرض من وجودها محال فوجب قَطْعُ القول بإمكانها.
وعمدةُ المعتزلة أن اللغات لا تدلُّ على مدلولاتها كالدلالة العقلية ولهذا المعنى يجوزُ اختلافُها ولو ثبتت توقيفا من جهة الله تعالى لكان ينبغي أن يخلقَ الله العلم بالصِّيغَة ثم يخلق العلْمَ بالمدلول ثم يخلق لنا العلم بجَعْل الصيغة دليلا على ذلك المدلول ولو خلقَ لنا العلمَ بصفاته لجاز أن يخْلُق لنا العلم بذاته ولو خلق لنا العلم بذاته بطل التكليف وبطلت المحنة.
قلْنا: هذا بناءٌ على أصل فاسد فإنا نقول: يجوز أن يخلق اللهُ لنا العلم بذاته ضرورة وهذه المسألة فرع ذلك الأصل.
وعمدة الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني: أن القدر الذي يدعو به الإنسان غيره إلى التواضع لو ثبتَ اصطلاحا لافْتَقَرَ إلى اصطلاحٍ آخر يتقدَّمه وهكذا فيتسلسل إلى ما لا نهاية له.
قلنا: هذا باطل فإن الإنسان يمكنه أن يُفْهمَ غيرَه معانيَ الأسامي كالطفل ينشأُ غيرَ عالمٍ بمعاني الألفاظ ثم يتعلَّمها من الأبوين من غير تَقَدُّمِ اصطلاح.
1 / 21