Muyassar Fi Haya
الميسر في حياة الخلفاء الراشدين
Nau'ikan
أرسل علي بن أبي طالب القعقاع بن عمرو التميمي إلى البصرة، فكلم عائشة وطلحة والزبير وبين لهم تفرق القوم عنهم بسبب قتل الغوغائيين، وماذا يكون لو حدث هذا في كل مصر ؟ قالوا : فما رأيك ؟ قال : إن هذا أمر دواؤه التسكين واجتماع الشمل، حتى إذا صلح الأمر وهدأت الثائرة، وأمن الناس، واطمأن بعضهم إلى بعض، نظرنا في أمر الذين أحدثوا هذه الفتنة. وإني لأقول هذا وما أراه يتم حتى يأخذ الله من هذه الأمة ما يشاء، فقد انتشر أمرها، وألمت بها الملمات، وتعرضت لبلاء عظيم، فاستحسن القوم رأيه، وقالوا : إن وافق علي على هذا الرأي صالحناه عليه. ورجع القعقاع إلى علي راضيا وأنبأه بما حدث، فسر علي بذلك أشد السرور وأعظمه.
وأقبلت الوفود من البصرة إلى معسكر علي بذي قار والتقى المضري مع المضري والربعي مع الربعي واليمني مع اليمني، وكل يتحدث في الصلح، وظن الناس كل الناس أن الأمر قد استقام، وأن الصلح قد أصبح وشيكا، ودعوا أهل البصرة عليا أن يأتي إليهم، وأراد علي الرحيل وقال : ألا من أعان على عثمان بن عفان فلا يرتحل معنا. وهنا شعر الغوغائيون من قتلة عثمان أن الصلح سيدور عليهم، وأنه إذا تم لا بد من أن يكون عليهم، وستطالهم العقوبة، فإذن لما نبرمه على أنفسنا ؟ وتداولوا الرأي وعبدالله بن سبأ اليهودي لا يعجبه رأي حتى توصلوا إلى انشاب القتال إذا ما اقترب الطرفان بعضهم من بعض. وأرسل علي عبدالله بن عباس إلى طلحة والزبير اللذين أرسلا بدورهما محمد بن طلحة إلى علي وتحدثوا في الصلح وباتوا في ليلة من العافية.
ورحل علي إلى البصرة وعسكر بجانب معسكر أهل البصرة فأنشب الغوغائيون القتال بأسباب بسيطة وتافهة، إذ تساب الصبيان ثم تراموا وتتابع العبيد، حتى إذا توترت الأجواء باشر السفهاء، ولم يدخل الغوغائيون من البداية حتى لا يعرف الكيد، وينكشف الأمر، وتفسد الخطة، وتصاف الفريقان، وخرج علي بين الصفين ونادى طلحة والزبير فكلمهما، وقال مما قال للزبير أتذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لك : "... ولكنك ستقاتله وأنت له ظالم" قال : تذكرت ذلك، ولو كنت أذكر ما خرجت، وأراد الاعتزال، وخرج على وجهه وعندما وصل إلى وادي السباع غدر به ابن جرموز وقتله. واستطاعت السبئية أن تنشب القتال، وطلب علي من الناس أن يكفوا إلا أن الأمر قد خرج من يده والتحم الفريقان، وكان جيش البصرة يزيد على الثلاثين ألفا، وجيش الكوفة يزيد على العشرين ألفا، وكان اللقاء في منتصف جمادى الآخرة من عام 36 ه.
Shafi 79