ودار عبد الرحمن يلقى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس يشاورهم، فكان أكثرهم يشير إلى عثمان، حتى إذا كانت الليلة التي يستكمل في صبيحتها الأجل وهو ثلاثة أيام، أتى منزل المسور بن مخرمة بعد ابهيرار من الليل، فأيقظه فقال : ألا أراك نائما ولم أذق هذه الليلة كثير غمض انطلق فادع الزبير وسعدا. ويبدو أن عبد الرحمن رغب أن ينهي القضية بين أصحاب الشورى بالذات بالمناقشة، وأن يدع رأي من استشار خارجهم، عسى أن يوفق في كسب رأي الزبير وسعد إلى جانب أحد صاحبي الأمر عثمان أو علي، وبعد اجتماعه بالزبير ثم بسعد رأى أن رأيهما لا يزال كالسابق، عندها حزم رأيه أن يأخذ البيعة لأحدهما أمام الصحابة حتى تكون أقوى وحتى لا تكون محاباة - معاذ الله - وحتى لا يستطيع أحدهما أن يعترض أو يظن شيئا. وبعد أن صلى المسلمون الفجر في المسجد، جمع عبد الرحمن أصحاب الشورى، وبعث إلى من حضر من المهاجرين وأهل السابقة والفضل من الأنصار، وإلى أمراء الأجناد، فاجتمعوا حتى غص المسجد بأهله. فقام عبد الرحمن وقال : أيها الناس، إن الناس قد أجمعوا أن يلحق أهل الأمصار بأمصارهم وقد علموا من أميرهم. فأبدى بعض المسلمين رأيهم فتكلم سعيد بن زيد وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأعطى رأيه لصالح عبد الرحمن إذ قال : إن نراك لها أهلا، فقال عبد الرحمن : أشيروا علي بغير هذافقام عمار بن ياسر وأيد عليا، ووافقه المقداد بن عمرو، ثم قام عبد الله بن سعد ابن أبي سرح فأيد عثمان ووافقه عبدالله بن أبي ربيعة. وكادت الأصوات تعلو، وعندها وقف سعد بن أبي وقاص وقال : يا عبد الرحمن، افرغ قبل أن يفتن الناس ، فقال عبد الرحمن: إني قد نظرت وشاورت، فلا تجعلن أيها الرهط على أنفسكم سبيلا، ودعا عليا، فقال : عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده ؟ قال : أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي، ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي، قال : نعم، فبايعه، وبايع الناس جميعا.
وهكذا استطاع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن يمنع الخلاف والفرقة، وألا يدخل رأي غير أصحاب الشورى الذين كانوا بجانب عثمان، وألا يقف بجانب واحد من الرجلين وقد تساوت الآراء وتعادلت الأصوات، لقد استطاع هذا بمعرفة طبيعة الصحابيين الجليلين رضي الله عنهما.
وفي اليوم الذي بويع فيه عثمان قدم طليحة بن عبيد الله أحد رجال الشورى -وقد كان غائبا- فقيل له : بايع عثمان، فقال : أكل قريش راض به ؟ قال : نعم، قال :أكل الناس بايعوك ؟ قال : نعم، قال : قد رضيت، لا أرغب عما قد أجمعوا عليه، وبايعه.
وصعد عثمان بعد بيعته المنبر وهو أكثر أهل الشورى كآبة، وتكلم كلمة قصيرة نصح فيها الناس وذكرهم بالآخرة، وحذرهم من فتنة الدنيا.
وكانت بيعته رضي الله عنه في الأيام الأخيرة من شهر ذي الحجة إلى غرة المحرم من السنة الرابعة والعشرين من هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وكان الولاة على الأمصار كما يلي :
والي مكة المكرمة : نافع بن عبد الحارث الخزاعي.
والي الطائف : سفيان بن عبد الله الثقفي.
والي صنعاء : يعلى بن منبه، حليف بني نوفل بن عبد مناف.
والي جند : عبدالله بن أبي ربيعة المخزومي.
والي الكوفة : المغيرة بن شعبة الثقفي.
والي البصرة : أبو موسى عبدالله بن قيس الأشعري.
والي الشام : معاوية بن أبي سفيان الأموي.
والي حمص : عمير بن سعد.
Shafi 40