وقالت لها: «لقد بنى باتريك كل هذه الحوائط.» كانت تشرح كل شيء بنوع من اللامبالاة التي تقترب من النفور.
فردت روز بصوت مليء بثقة زائفة، وتلهف، وحماس غير لائق: «إذن، فهو اسكتلندي بحق.» كان باتريك اسكتلنديا بالفعل، بالرغم من اسمه؛ إذ تعود أصول أسرة بلاتشفورد إلى جلاسجو. واستطردت روز قائلة: «أليس أفضل عمال العمارة الحجرية اسكتلنديين؟» (كانت قد تعلمت مؤخرا نطق كلمة اسكتلنديين على النحو الصحيح.) «لعل أسلافه عملوا بهذه المهنة .»
انكمشت خوفا بعد ذلك لتفكر فيما بذلته من جهد، وادعائها السلاسة في الحديث والابتهاج، الأمر الذي تماشى مع الملابس الرخيصة المقلدة التي كانت ترتديها.
قالت والدة باتريك: «لا، لا أظن أن أسلافه كانوا من عمال العمارة الحجرية.» كان يشع منها شيء أشبه بالضباب؛ لقد كان الاستهانة والاستنكار والجزع. ظنت روز أنها ربما تكون قد استاءت مما قالته عن عمل أسرة زوجها بمهنة يدوية، لكنها عندما تعرفت عليها أكثر - أو بالأحرى لاحظتها فترة أطول؛ إذ كان من المستحيل التعرف عليها بشكل أفضل - أدركت أنها كانت تبغض أي شيء تخيلي أو تكهني أو افتراضي في الحديث، هذا فضلا بالطبع عن كرهها لثرثرة روز. فأي اهتمام يتجاوز الاعتبار الواقعي للموضوع المعني - مثل الطعام أو الطقس أو الدعوات أو الأثاث أو الخدم - يبدو في نظرها سلوكا سيئا وخطيرا ودالا على سوء الخلق. فمن الجيد النطق بعبارات مثل: «الطقس اليوم دافئ»، وليس «هذا اليوم يذكرني بما اعتدنا فعله من ...» لقد كرهت تذكر الناس لأي شيء.
كانت الطفلة الوحيدة لأحد أقطاب صناعة الأخشاب الأوائل في جزيرة فانكوفر، وقد ولدت في إحدى المستوطنات الشمالية المندثرة، لكن كلما حاول باتريك دفعها للتحدث عن الماضي، وكلما سألها عن أبسط المعلومات - مثل البواخر التي كانت تظهر على الساحل، والعام الذي ترك الناس فيه المستوطنة، وأي طريق كان أول خط سكة حديد لنقل الأخشاب - كانت ترد عليه في حنق: «لا أعلم. كيف لي أن أعلم؟» وكان هذا الحنق أقوى نبرة يمكن ملاحظتها في حديثها.
لم يكترث والد باتريك أيضا بهذا الاهتمام بالماضي؛ فالكثير من جوانب شخصية باتريك - بل أغلبها - بدا صادما له.
صاح فيه على المائدة: «لماذا تريد معرفة كل ذلك؟» كان رجلا قصيرا عريض المنكبين متورد الوجه شرسا على نحو مذهل. كان باتريك يشبه والدته، التي اتسمت بطول القامة والشعر الأشقر والأناقة في أبسط صورها الممكنة، كما لو كان أسلوبها وملابسها وأدوات زينتها منتقاة للتعبير عن الحيادية بشكل مثالي.
قال باتريك بصوت غاضب يوحي بالغرور، لكنه متهدج وعصبي في الوقت نفسه: «لأنني مهتم بالتاريخ.»
فقلدته أخته ماريون على الفور ساخرة منه ومن تهدج صوته، وعقبت: «لأنني مهتم بالتاريخ!»
كانت الأختان جوان وماريون أصغر سنا من باتريك، وأكبر من روز، لكنهما على عكس باتريك، لم تظهرا أي نوع من العصبية، أو عدم الرضا عن النفس. وقد سألتا روز في مرة سابقة أثناء تناول الطعام: «هل تركبين الخيول؟» «كلا.» «هل تبحرين؟» «كلا.» «هل تلعبين التنس؟ الجولف؟ تنس الريشة؟» «كلا، كلا، كلا.»
Shafi da ba'a sani ba