فامتقع وجه جان بصفرة الموت، وقبض على يد الكونت دي مونتكور فهزها بعنف، وقال: وأنت أتحسب نفسك من العاقلين حتى أخطب إليك ابنتك فتجيبني بالإهانة والتحقير؟
قال: لا أنكر أني أخطأت؛ فاجلس ولنتحدث. إنك خطبت إلي ابنتي، ولكن كان يجب أن تعلم أني لا أجيبك إلى طلبك فلا تطلب المحال. - ولماذا ترفض طلبي؟ لا أنكر أني لست من الأغنياء، ولكنك لا تنكر أني مثلك من طائفة النبلاء، فما الذي تنكره علي؟ - أتريد أن تعلم؟ إذن فاسمع؛ إنك لا تروق لي لأسباب كثيرة؛ منها أنك من أهل الكذب والبهتان، وأنك زير نساء؛ فإني مهما بالغت في العزلة فما خفيت عني أعمالك المنكرة، ولست موقنا أن قلبك يعبر عن مؤثرات الحب الصحيح؛ ولذلك فقد أردت خديعتي حين قلت لي إنك تحب ابنتي، ولم تقل الحقيقة إلا حين قلت إنك لست من الأغنياء، فأنت لا تريد ابنتي، بل تريد مهرها، ألم أقل الحقيقة؟ - لقد تجاوزت الحد في قولك حتى إنه لا يمنعني عن صفعك غير أنك أبو مرسلين.
فأجابه الكونت بملء السكينة: أرأيت أنه لا يمكن أن نتفق، إذن لا تقبل أن تعترف، فأستودعك الله راجيا أن تنسى طريق قصري. - لا تقل الوداع، بل قل إلى اللقاء.
وقد خرج وهو يكاد يتميز من الغضب إلى حيث كانت تنتظره مرسلين، فأسرعت إليه وهي تقول: ماذا حدث؟ - إن أباك لا يرضى بزواجنا.
فاشتد خفوق قلبها وقالت: لماذا؟ - لا أعلم، فإما أن يكون ما أصيب به من خرف الشيوخ، أو أنه يطمع بأن يجد لك زوجا أغنى مني. - أما قلت له إنك تحبني؟ - دون شك. - أما قلت له إني أحبك؟ - كلا؛ فقد خشيت أن ينقم عليك. - لقد أخطأت؛ فأنا سأقول له.
فضمها إلى صدره وقال لها: آه لو تعلمين يا مرسلين كم أحبك.
وفي المساء جلست مرسلين مع أبيها للعشاء، فكانت مطرقة لا تجسر على أن تنظر إليه، وهو يراقبها، إلى أن شهقت فجاءة بالبكاء وقالت: إنك ستجعلني يا أبي أتعس الفتيات.
قال: ما هذا؟ وماذا تعنين؟
قالت: إن جان داغير يحبني وأنا أحبه، وقد أخبرني بكل ما جرى بينكما، وهذا سبب بكائي. - هل خلوت به في غيابي؟ أين وكيف؟
فأطرقت برأسها ولم تجب.
Shafi da ba'a sani ba