وقد خرجا بعده يوما للنزهة وسارا في طريق ازدانت جانباه بالأشجار، فلما بلغا إلى عطفة منه التقيا برجل فصاح الاثنان صيحة دهش، وقال الأول: من أرى؟ بيير بوفور!
وقال بوفور: جان داغير؟
أما مرسلين فقد صاحت صيحة تختلف عن صيحتيهما؛ إذ كانت صيحة رعب، فغطت وجهها بيديها وقالت: رباه، إنهما صديقان!
كان جان داغير فتى قوي العضل براق العينين جميل الوجه، وكان ساعتئذ يمتطي جواده، فلما حاول أن يترجل رأى مرسلين فعاد إلى سرج جواده، وقال له بوفور: ما كنت أتوقع أن أراك هنا أيها الصديق. - لقد أتيت أمس بعد غياب طويل، ولا غرابة أن تراني في برين؛ فإني من أهلها، ولكن الغرابة في أن أراك فيها وأنت ابن باريس. - وهذا بسيط أيضا فقد تزوجت هنا منذ أسبوع، وهذه امرأتي.
فانحنى جان فقال: إني أعرفها، وقد تشرفت بأن أكون في عداد أصدقاء أبيها.
وقد تحادثا هنيهة ثم افترقا، فنظر بوفور إلى مرسلين فوجدها مطرقة واجمة، فقال لها: ما بالك مصفرة الوجه أيتها الحبيبة؟ وماذا أصابك؟ فلم تجبه ولكنها ضحكت ضحكا صبيا، فقال لها: ألعلك مريضة؟
قالت: لنعد إلى المنزل.
وقد تأبطت ذراعه وسارت وإياه، فكان ينظر إليها نظرات تشف عن الحزن وهو لا يدري ما يقوله لها؛ إذ لم يكن رآها مرة من قبل على هذا الحال.
ولم تكد تصل إلى البيت وتدخل إلى غرفتها حتى أصيبت بنوبة عصبية تشبه الجنون، ثم ركعت أمام زوجها وقالت له: هذا هو، هذا هو، وأنت تعرفه، رباه هذا هو، فأنت تعرفه، ولست بمجنونة! فأنهضها وجعل يبالغ في ملاطفتها، وقد جزع عليها أشد الجزع، ثم قال لها: لقد قلت: هذا هو. فمن هو هذا؟ وماذا تعنين؟ - ماذا أعني؟! أما علمت أنه هذا هو الذي عنيته بالكتاب الذي أرسلته إليك؟ - أي كتاب يا مرسلين؟ - الكتاب الذي أرسلته إليك حين كنا في سويسرا، لقد قلت لك هذا هو ... رباه يظهر أنه لم يفهم بعد. - لم يصلني منك كتاب يا مرسلين، وأقسم بالله أني لا أفهم ما تقولين.
فطبع اليأس على وجهها وقالت: أتقسم بشرفك أن كتابي لم يصلك؟ - أقسم بشرفي وبحبك أني لم يصلني منك كتاب، وأني لا أفهم ما تقولين!
Shafi da ba'a sani ba