وكانت الحجارة تهوي تحت قدميه، وقد اتفق له مرارا أنه كان يستند في يديه إلى صخر فيهبط الصخر، وصوت هبوطه إلى مسامعها فيتجسم في عينيها الخطر.
وما زال هذا موقفه وموقفها إلى أن وصل إلى موضع تلك الأزهار، فجنى منها ضمة وعاد أدراجه، فاطمأنت مرسلين؛ لأن الصعود ليس فيه شيء من الخطر.
حتى إذا وصل إليها أعطاها الضمة وهو يحسب أنه قد ملك الدنيا، وكان يعد نفسه أسعد خلق الله بإعطائها هذه الأزهار، فأخذتها مرسلين بيد ترتجف ولم تتمالك عن وضعها فوق فمها كأنها تقبل بها من تحب، ثم أغمي عليها من فرط التأثر، فلما استفاقت من إغمائها جعلت تبكي، وقد ذهبت شجاعتها وكل ما كانت عولت عليه من الصبر، فكانت تلك الدموع تنم عما كانت تحاول أن تخفيه، ونسيت في تلك الساعة كل شيء من خيانة داغير إلى تدنيس شرفها إلى ولدها الصغير، وأخذت يد بوفور في يديها وشدت عليها وقالت: ما هذا الجنون! ألا تعلم أنك لو أصبت بمكروه لقتلت نفسي في أثرك ... رباه أتخاطر بنفسك من أجل زهرة؟ قال: بل في سبيل حبك.
وكانت هذه أول مرة صرح لها فيها بحبه بعد أن وعد عمتها بالكتمان، فحنث بوعده مكرها.
وقد أقام الثلاثة هنيهة يتحدثون ويمعنون النظر في ذلك الوادي الجميل ثم عادوا، فاغتنمت مرسلين فرصة بعد عمتها عنها، وهمست في أذن بوفور قائلة: ... أرجوك ألا تعود إلينا وأن تنساني.
فنظر إليها نظرة المأخوذ، وهو لا يفهم شيئا مما تقول، وقبل أن يحاول سؤالها اقتربت عمتها منهما، فعادوا جميعا إلى المنزل، وهناك افترقوا عند بابه، فسار بوفور مفكرا وهو مطرق حزين، فدخلت مرسلين إلى مخدعها فاسترسلت إلى البكاء.
وفي اليوم الثاني جاء بوفور على عادته إلى المنزل، فقالت له الخادمة: إن السيدتين ليستا في البيت. وجعل يجيء في كل يوم فتقول له الخادمة القول نفسه.
إلى أن جاء يوما ونقد الخادمة بضعة من الدنانير وقال لها: إنك تكذبين فدعيني أدخل.
وليس أفصح من الدينار، فقالت له الخادمة: إني كذبت في نصف قولي، وصدقت في النصف الآخر، فإن العجوز غير موجودة في المنزل، وأما الصبية الحسناء فهي فيه.
ودخل بوفور واستقبلته مرسلين وهي مطرقة برأسها، فقال لها: إذا كنت لا تحبين ولا تريدين أن أعود كما تقولين فلماذا قبلت أزهار البنفسج؟
Shafi da ba'a sani ba