Mutalacat Fi Harshe Da Adabi
مطالعات في اللغة والأدب
Nau'ikan
ومن ذلك النسبة إلى «طبيعة وبديهة»؛ فإن السوريين يقولون فيهما: «طبيعي وبديهي»؛ جريا على الاستعمال دون القياس، وأما المصريون فجعلوا يقولون: «طبعي وبدهي»؛ جريا على القياس دون الاستعمال .
ومن ذلك أن السوريين يقولون: «تمدن الرجل» أي: تخلق بأخلاق أهل المدن وانتقل من حالة الخشونة والبربرية والجهل إلى حالة الظرف والأنس والمعرفة، أما المصريون فيقولون في ذلك: «تمدين». (راجع القاموس)
وهناك ألفاظ وتعبيرات كثيرة انفرد بها أحد الفريقين دون الآخر، مما تستطيع معه أن تعرف القول هل هو سوري أم مصري؛ بل قد تعدى هذا الاختلاف لغة الأدب والصحافة إلى لغة العلم، فإذا قابلت كتب سوريا في الطبيعة أو الكيميا أو الحساب أو الجغرافيا أو غير ذلك بكتب مصر رأيت أنه يكاد يكون هناك لغتان، ولولا وحدة الأصل، واعتبارات كثيرة تربطنا بذلك الأصل فلا نخرج عنه إلا رجعنا إليه؛ لاتسعت مع الأيام شقة الاختلاف إلى أن تصبح اللغة العربية لغتين لا تكادان تتشابهان في شيء.
هذا في اللغة، وأما الأساليب فهناك مذهبان: مذهب قديم ومذهب جديد، وإني أحاول هنا أن أشير إلى الفرق بين المذهبين على قدر ما تعين عليه البصيرة الضعيفة.
مما أولع به أصحاب المذهب القديم إلى يومنا هذا تكرار الكلام في غير مواطن التكرار، والإسراف في استعمال المترادفات على غير حاجة إليها ولا فائدة منها، فهم لا يأتون بكلمة إلا أتبعوها بمرادفاتها، فإذا قالوا: «تمادى الرجل في ضلاله» قالوا: «ولج في غوايته وعمه في طغيانه ومضى على غلوائه»، وإذا قالوا: «أحزنني هذا الأمر» قالوا: «وشجاني وأمضني وأرمضني وأقلقني وأقض مضجعي»، وإذا قالوا: «سرني أمر كذا» قالوا: «وأفرحني وحبرني وأبهجني وأبلجني وأثلج صدري».
وهنا أستأذن القارئ الكريم بتقديم مثل على ذلك من رسالة أمامي لكاتب كبير قال:
يا إخواننا إن الصارخة القومية، والنعرة الجنسية، قد بدأت في الأقوام، ونشأت مع الأمم، مذ الكيان ومنذ وجد الاجتماع البشري، وتساكن الإنسان مع الإنسان»، وقال: «مهما انتبذ لنفسه مكانا منزويا، وتنحى جانبا معتزلا»، وقال: «مهما ترامت به عن منبته الأقطار وتباينت بينه وبين أهله الأوطان والأوطار»، وقال: «وإن هذه النعرة الجنسية والحمية القومية وإن عم أمرها جميع الأمم، ولم يخل منها عرب ولا عجم، فقد اختص منها العرب بالشقص الأوفر والحظ الأكمل» فتأمل.
وسبب ذلك إما قلة البضاعة ونزارة المادة الفكرية، وأصحاب هذا المذهب يحسبون أن اللغة هي كل شيء، فإذا حمل أحدهم على ظهر قلبه مقامات الحريري وديوان الحماسة والمعلقات والمفضليات فقد صار كاتبا نحريرا. أو
3
أن يكون ذلك متابعة لما ورد في بعض أقوال العرب من الترادف لضرورة؛ كقول الشاعر: «فألفى قولها كذبا ومينا» أو تقليدا لأحمد فارس الشدياق في كتابه «الساق على الساق»، ولكن أحمد فارس لم يأت بالمترادفات لأنه يذهب إلى هذا النوع من الكتابة، وإنما أراد أن يضع كتابا في المترادفات ككتاب الألفاظ الكتابية لعبد الرحمن بن عيسى الهمذاني، فبدلا من أن يسرد المترادفات لغير مناسبة أتى بها في سياق كلام، على اعتقاد منه أن ذلك أشوق للقارئ ... ومهما يكن السبب فإن هذا النوع من الكتابة غير طبيعي، أو غير عربي، أو على الأقل لا يستمرئه ذوق هذا العصر. •••
Shafi da ba'a sani ba