فطرب وشرب واستعاده مرارا حتى صليت العشاء الآخرة فقال لي: ما أقدمك علينا هذا البلد؟ فقلت أردت بيع جاريتي هذه قال: وكم قدرت فيها من الثمن؟ قلت: ما أقضي به ديني وأصلح به حالي، فقال: يقنعك ثلاثون ألفا! فقلت ما أحوجني إلى فضل الله تعالى والمزيد منه قال: فيقنعك أربعون ألفا؟ قلت فيها قضاء ديني وأبقى صفرا مجردا. قال فقد أخذتها بخمسين ألف درهم، ولك بعد ذلك جائزة وكسوة ونفقة لطريقك وأن أشركك في حالي أبدا ما بقيت فقلت قد بعتكها قال: قد قبلت أفتثق بي أن أحمل إليك ذلك غدا وأحملها معي، أم تكون عندك؟ فحملني السكر وهيبته والحشمة منه على أن قلت: نعم قد وثقت بك فخذها، بارك الله لك فيها، فقال: لأحد خادميه: احملها على دابتك وارتدف وراءها وامض بها، وركب فرسه وودعني، فما هو إلا أن غاب عني حتى عرفت موضع خطأي وغلطي وقلت ماذا صنعت بنفسي وجنيت عليها؟ أسلمت جارية إلى رجل لا أعرفه ولا أدري مما هو ولا ما اسمه ونسبه، ولا من أي البلاد هو، وهبني عرفته من أين أصل إليه، وجلست مفكرا حتى أصبحت، فصليت وجلست موضعي ورحل أصحابي ودخلوا دمشق وصهرتني الشمس فترددت بين المقام وبين الدخول. فقلت: إن دخلت لم آمن من أن يجيء رسول الرجل يطلبن فلا يجدني ولا يعرف موضعي، وأكون قد جنيت على نفسي جنانة ثانية، فأقمت ونفذت رحلي مع بعض أهل المدينة، وجلست في ظل جدار هناك. فلما أضحى النهار إذا أحد الخادمين اللذين كانا بالأمس مع الرجل قد أقبل إلي، فما أذكر إنني سررت بشيء سروري بالنظر إليه. فقال لي: أنا منذ الصباح أدور في طلبك في رفقتك. فقبل أن أسأله عن شيء قلت: من صاحبي؟ فقال: ولي العهد الوليد ابن يزيد فسكنت نفسي، ثم قال: قم فاركب، وإذا معه دابة، فركبت ودخلت إليه، فإذا الجارية قد أفرد لها حجرة وهي فيؤها، فأدخلني إليها. فلما رأتني وثبت وسلمت علي، فقلت: ما كان منك؟ قالت: دخل إلى داره وأنزلت ههنا وتفقدت بما أحتاج إليه، وأنا كما ترى بثياب السفر، فجلست عندها، وإذا الخادم قد أقبل فقال: قم، فقمت، وأدخلني إلى صاحبي بالأمس، وهو جالس على سريره، فقال: من تكون؟ فقلت: يونس الكاتب، فقال مرحبا بك، قد كنت والله إليك مشتاقا، وكنت أسمع بخبرك فكيف كان مبيتك في ليلتك؟ فقلت: بخير أعز الله الأمير. فقال: أما ندمت على ما كان منك البارحة، وقلت دفعت جاريتي إلى رجل لا أعرفه؟ فقلت: أيها الأمير معاذ الله أن أندم ولو أهديتها إلى الأمير، وما قدر هذه الجارية؟ فقال: لكني ندمت على أخذها منك، وقلت: رجل غريب لا يعرفني وقد غممته الليلة، وسفهت رأبي في استعجالي في أخذها. أفتذكر ما كان بيننا بالأمس؟ قلت: نعم، قال: أوقد بعتني الجارية بخمسين ألف درهم؟ قلت: نعم. قال: هات يا غلام المال، فجاء به الغلمان يحملونه ووضعوه بين يديه. قال: هات يا غلام ألف دينار مفردا فجيء بالكيس فوضعه ثم قال: هات خمسمائة دينار أخرى فجاء بها فوضعها أيضا ثم قال: هذا مال ثمن جاريتك ضمه إليك. وهذا ألف دينار لحسن ظنك بنا، وهذه خمسمائة دينار لنفقة طريقك وما تبتاعه لأهلك، أرضيت؟ فقبلت يده ورجله وقلت: قد والله ملأت عيني ويدي. قال: يا غلام قدم إليك دابة بسرجها ولجامها لمركوبة وبغلا لثقله. ثم قال إذا بلغك أن هذا الأمر قد أفضى إلي فزرني، فوالله لأملأن يديك ولأغنينك ما بقيت. فخرجت وتوجهت إلى بلدي. فلما أفضت الخلافة إليه صرت إليه فوفى والله بوعده وزاد، وكنت معه في أيسر حال، وأسنى منزلة، وقد اتسعت أحوالي، واقتنيت من الضياع والأملاك ما أعيش فيه إلى الآن ومن بعدي، ولم أزل معه حتى قتل.
حكاية
</span>
Shafi 41