الكلمات المقذعة لايحط من مقدار اعتقادهم بإمامته ، وإنما صدر منهم ذلك لأن علائقهم الدينية ، والودية كانت مقصورة على جمال الحق القائم بمجالي الكتاب ، والسنة الوضيئة ، ومحيا حجة الزمن الأبهج ، وحيت أحسوا بما يرام بالدين من الصدع ، وبإمام الوقت من الإضطهاد ، وبالمؤمنين من استئصال الشأفة ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وأظلمت الدنيا في أعينهم ، ولم يكن يحوون من سعة العلم بالحقائق والعواقب ما يخفف تلك الوطأة ، ويخمد فورة أنفسهم الملتهبة من تحكم الضلال بالأمة ، واسترداد الجاهلية الأولى ، فهنالك انتأت المشاعر عن النفوس ، فواجهوا الامام بما عرفت ولهجوا بما لهجوا به وهم غير خارجين عن طاعة ، ولا متضعضعين في عقيدة.
ولا ريب أن مقادير الرجال متباينة وقابليتهم لتحمل الأسرار متفوتة ولم تكن أسرار الأئمة يتحملها كل أحد ، ولذا كان سيد الشهداء يفيض من علمه المخزون على كل من طلب منه التريث عن السفر الى العراق بما يسعه ظرفه وتتحمله قابليته ، ولم تسعه المصارحة بما عنده من العلم بمصير أمره.
وهذا الذي ذكرناه هو الأساس في اجتماع رجالات الشيعة ، وعقد أندية المؤامرة لحل أغلال الإستعباد عن أعناقهم باستدعاء أبي الضيم عليه السلام لعاصمة الخلافة العلوية لقمع أشواك الظلم المتكدسة في طريق الشريعة ، وقمع جراثيم الفساد الوبيئة ليتم الفتح المبين ، ويستضيء العالم بألق المبادئ الصحيحة والأنظمة الربوبية التي لاقى المشرع الأعظم صلى الله عليه وآله المتاعب في نشرها.
وان الوقت الذي أرجأ أبو عبدالله عليه السلام النهضة فيه حيث كان يقول لأولئك الخلص من الشيعة : « ليكن كل رجل منكم حلسا من أحلاس بيته مادام هذا الانسان حيا » يعني معاوية ، هو يوم نهضته بمشهد الطف.
فكان اجتماع الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي لأنه وجه وجوههم جليل في قومه لا يفتات رأيه ومساعيه في أيام أمير المؤمنين عليه السلام الثلاثة مشكورة ، فذكروا هلاك معاوية وما لاقته الشيعة في أيامه وأشد منها عهده « ليزيد » الذي وصفه زياد بن أبيه لعبيد بن كعب النمري : بأنه صاحب رسله وتهاون بالدين ، وقد أولع بالصيد ، وأن أمر الإسلام وضمانه عظيم ، فلا يصلح يزيد للخلافة ثم قال له : ألق معاوية وأد هذا عني وخبره بفعلات يزيد وتهاونه بالدين (6).
Shafi 51