Littafin Musiqa Sharqi
كتاب الموسيقى الشرقي
Nau'ikan
فوق ذاك الرأس جزما
يأخذ السامعون في الصياح والتهليل - وتارة يكون أمام تلك (الجوقة) جوقة أخرى تماثلها في الشهرة فبعد انتهاء الأولى من الغناء يهز الرئيس الدف علامة متبعة عندهم لتبتدئ الجوقة الثانية فيه - ولكن من المحتم الذي لا انفكاك عنه واللازم الذي لا بد منه أن تضرب هاتان الجوقتان بعضهما في أثناء الليل أو في آخره؛ لأن إحداهما غلبت الثانية بضروب الأغاني - فتحب الثانية أن تغلبها بضروب العصي - وفي أثناء رنات تلك المثاني والمثالث يأتي الخفراء ويسوقون الجميع إلى الحبس - وبذا ينتهي العرس
2 .
فصل في كيفية التعليم
اعلم أن أساس التعليم وأصله وقوامه في كل صناعة الذكاء وجودة الخاطر ويقال الطبع والشهوة والميل ومعرفة المتعلم قدر الصناعة والتمييز وصفاء الذهن، فإن هذه الأمور إذا كملت في المتعلم خففت عنه وأعانته وكفته مئونة التعليم وصعوبته.
والمعلم يحتاج إلى لطف ورفق وسياسة وحلم وإقامة الهيبة بلا ترهيب، بل بترغيب وحيلة بين من يتعلم من الصبيان، ومناضلة يوقعها بينهم ومخابرة ومسابقة ومحاماة عن بعضهم ومواعيد كاذبة - أما الضرب والاستخفاف فما يجدي نفعا ولا يكاد أن ينتفع معه أحد إلا اليسير؛ لأنه يشغل الخواطر ويكمد القلوب ويحيل عن الطباع ويخرج إلى كراهة ما يضربون عليه - والغناء وهو مبني على الطرب فيجب أن يستخرج بما يشاكله لا بما ينافره - وسبيل المعلمين أن لا يكثروا على الصبيان المبتدئين بالصنائع فإن خواطرهم تتلبد وأفكارهم تتقسم، وقدرتهم تمل، وآلاتهم تكل بل يروضوهم في شيء فشيء، إلا أن يأخذوا أولا بالأصعب حتى يسهل عليهم ما بعده - ويأمره المعلم أن يغنيه، وإلا فهو ينفسد عليه بعجلته ودغدغته للجهة الصعبة التي في التلحين - وربما ينسى منه موضعا فيضعه من عنده ويثبت معه مفسودا ويتعب معلمه في قلعه تعبا عظيما - وأن يخير في الآلات فهو أسرع لتعليمه وأنجب وأنجع - ويجب على المعلم أن لا يكلف الطالب ما لا يطيق ولا يقتصر به عما يطيق فذاك هو الصواب. غير أن ترتيب طبقات أصوات المغنين والمغنيات يحتاج إلى كبير معرفة بأحسن مواقعها وتصير بحيث تظهر جواهرها - والحذر من ترك المبتدئ والتعب والتنقل وزيادة التنقل من طبقة إلى أعلى منها، فربما لحقه بحح من التعب المفرط، وبقي معه إلى آخر عمره - وإني رأيت المعلمين يجبرون الصبيان قبل البلوغ ويلزمونهم أشد الطبقات يزعمون أن ذلك أصلح لأصواتهم وهو أضر ما عليهم؛ لأن ذلك يقطعهم ويستنفذ أصواتهم - والواجب أن يكون الغناء صباحا قبل تناول الطعام - وبالعشي بعد انحداره وهضم المعدة له - ولكل صوت صنعة وموضع لا يجب تعديته إلى غيره - فإن الأصوات إذا خيف عليها كلت وانقطعت وضعفت الآلات المصونة أي (الأحبال الصوتية) وإهمال الأصوات يضربها وإغفالها والخلود إلى الراحة - والتوسط في ذلك أحسن لها. فإذا أعيدت إلى الشغل فليكن ذلك على تدريج، فإنها تعود إلى أصلها والعادة طبيعة ثانية فافهم.
فصل في كيفية اختيار من يتعلم
أما اختيار من يتعلم من الصبيان أو البنات فيلزم له الفراسة التامة - وذلك أنه لا يصلح لتعلم الغناء إلا من كان صوته شجيا، وصورته مقبولة وأعضاءه متناسبة ومحاسنه دقيقة والذكاء ينطق من عينيه ولسانه وأعضاؤه لينة وأطرافه سبطة ولسانه رقيق ولفظه عذب ومنطقه حلو ونغمته مليحة وفمه صغير وعنقه بارز وألحاظه سريعة وكلامه سالم من اللثغ والرنة والخونة والتشدق والكذب والنميمة - وليحذر من يكون منهم نظره مفسودا وخاطره متبلدا وتصوره فاسدا وخلقه سيئا ونشاطه قليلا وجوابه بطيئا وعقله مخبولا.
فإذا وقع من هم بالصفات الجليلة السابقة الأولى فاجمع منهم من شئت واكسهم ما يستملح وأطعمهم ما يستطاب وطيبهم بما يستدعي حضور نشاطهم وأحضر لهم من يعمل بسائر الآلات ومرهم بالعمل والمطاولة - فمن رأيته يألف صاحب آلة - أو - كمنجة - أو رباب، فألزمه تلك الآلة والعمل بها والرياضة فيها ونقله إلى ما سواها وروضه في واحدة، فإنه لا بد أن ينجب فيها أو في الجميع - فإن لم ينجب مع كل هذا التلطف، فاعدل به إلى ما سوى هذه الصناعة.
فصل في صفة المغني الحاذق
Shafi da ba'a sani ba