Littafin Musiqa Sharqi
كتاب الموسيقى الشرقي
Nau'ikan
وكذلك الإبل نراها تمد أعناقها صاغية لغناء الحادي لها فتهيم وتسرع في سيرها، حتى تزعزع أحمالها، وربما أتلفت نفسها من سرعة السير مع ثقل أحمالها، وهي لا تشعر بذلك بسبب نشاطها.
وقد غفل في الأحيان أن أبا بكر محمد بن داود الدينوري (رضى الله عنه) قال: كنت بالبادية فوافيت قبيلة من قبائل العرب فأضافني رجل منهم، وأدخلني خباءه، فرأيت فيه عبدا أسود مقيدا بقيد، ورأيت قباله إبلا وجمالا قد ماتت وبقي منها جمل ناحل ذابل كأنه ينزع روحه فقال لي الغلام أنت ضيف ولك أن تشفع لي إلى مولاي؛ فإنه مكرم لضيفه، ولا يرد شفاعتك في هذا القدر، قال: فلما أحضر الطعام قلت: لا آكل ما لم أشفع لهذا العبد، فقال: إن هذا العبد أفقرني وأهلك جميع مالي، فقلت: ماذا فعل؟ فقال: إن له صوتا طيبا، وإني كنت أتعيش من ظهور هذه الجمال، فحملها أحمالا ثقالا وكان يحدو لها حتى قطعت مسيرة ثلاثة أيام في ليلة واحدة من طيب نغمته - فلما حطت أحمالها ماتت كلها إلا هذا الجمل، ولكن أنت ضيفي فلكرامتك قد وهبته لك.
فأحببت أن أسمع صوته فلما أصبحنا أمره أن يحدو على جمل قوي ليستقي الماء من بئر هناك - فلما رفع صوته هام ذلك الجمل وقطع حباله فوقعت على وجهي فما أظن أني سمعت قط صوتا أحسن منه.
ومن قبيله ما يستعمله رعاة الغنم والبقر والخيل والحمير عند ورودها للماء من الصفير ترغيبا لها في شربه.
وقيل: إن صيادي الغزلان والدراج والقطا وغيرها لهم غناء يغنون به في وقت صيدها في ظلام الليل؛ حتى يوقعوها ويأخذوها بيدهم.
والصيادون يصيدون الفيل والغزال بالسماع وآلات الطرب، والملاهي تلهيها عن رعيها فتسهو عن الرعي والهرب حتى تؤخذ وتصاد.
وكذلك السماكون بالنواحي يصطادون السمك بأصوات شجية.
وكذلك يصيدون كثيرا من الطيور؛ لما في الغناء من الجذبة السارية الشاغلة.
وجملة القول أنه يستلذها جميع الحيوانات التي لها جامعة السمع.
واختلف في الواضع، فقيل فيثاغورث، وكان قد رأى جمعا من الحدادين يضربون بالمطارق على التناسب، فتأمل ثم رجع وقصد أنواع المناسبات من الأصوات، ولما حصل له ما قصده بتفكر كثير وفيض إلهامي جمع آلة وشد عليها وترا وأنشد شعرا في التوحيد وترغيب الخلق في أمور الآخرة، فأعرض بذلك كثير من الخلائق عن الدنيا وصارت تلك الآلة معززة بين الحكماء ثم وضع بعدها قواعد هذا الفن - وأضاف بعدها العلماء مخترعاتهم إلى أن انتهت النوبة إلى أرسطو، ففكر ثم وضع الأرغنون وهي آلة قديمة لليونانيين تعمل من ثلاثة زقاق كبار من جلود الجواميس تضم بعضها إلى بعض ويركب على رأس الزق زق آخر ثم يركب على الزقاق أنابيب لها ثقب على حسب استعمال المستعمل
Shafi da ba'a sani ba