في الواقع عندما تشجعت وقمت بزيارتك كنت أظن أن تفريغ مشاعري المكبوتة داخلي لزمن طويل سيجعلني أشعر بالراحة النفسية والجسمانية، ولكن على العكس؛ ففي اليوم التالي كانت النتيجة عكسية؛ فما سبب ذلك يا دكتور؟!
إن وجهي منذ ذلك اليوم لا يتوقف عن الاختلاج. وكلما حاولت أن أجعله يهدأ - أجده على العكس - يزداد سوءا. ولذلك فأنا لم أستطع الذهاب إلى العمل طوال الأيام الماضية. وكرهت النظر إلى الطعام، ولكنني إن لم آكل سأموت جوعا؛ ولذا آكل رغما عني. لكنني أتقيأ ما آكله مباشرة. وعندما أنظر إلى تلك النتيجة، أرى أنني إن ذهبت مرة أخرى إليك في عيادتك؛ فإنني لا أستطيع معرفة التأثير العكسي المرعب لذلك. كلما فكرت في ذلك لا أستطيع تحمل الخوف. أرجو أن تسمح لي أن أتغيب - رغم أخذي موعدا - عن الحضور في يوم الأربعاء المقرر.
وفي الواقع لقد تعمدت في المرة السابقة إخفاء أمر في منتهى الأهمية عنك؛ لأنني لم أجد في نفسي الشجاعة أن أخبر طبيبا أقابله للمرة الأولى بذلك الأمر. وربما عدم إخباري لك بذلك سبب لي قلقا، وهو ما أحدث تلك الأعراض الفظيعة. هذا هو حكمي الذاتي على الأمر. ومع ذلك ألا تعتقد يا دكتور أنه لا معنى للزيارة إن كنت، على العكس، أعاني تأنيب الضمير بسبب أمر تافه، مع أنني كنت أنوي البوح بالحديث إليك عن كل شيء؟»
ومع أن هذا الخطاب يبدو من الوهلة الأولى أنه مكتوب بهدوء تام، لكنه يظهر في النهاية تناقضا واضحا. فمع قولها «أمر في منتهى الأهمية» تصحح القول بعد ذلك مباشرة بقولها؛ «أمر تافه».
وبعد ذلك تعمدها كتابة رقم هاتف منزلها مع عنوان مسكنها على عكس محتوى الكلام، يظهر ذلك نيتها في رغبتها في المجيء، ولكنها هذه المرة تريد المجيء إلى عيادتي بعد أن أطلب أنا منها ذلك متوسلا.
لقد لمست من هذا الخطاب جانبا يظهر «الأنا القوية» لتلك المرأة، التي لم أشعر بها بدرجة قوية في اللقاء الأول. ومع أننا لم نتقابل إلا مرة واحدة فقط، إلا أن تلك المرأة بدأت الحرب تجاه محللها النفسي مبكرا. لا أعتقد أنها كانت تكذب بشأن تدهور حالتها كذبا، ولكن هذا السوء ذاته يخفي داخله قدرا من التحدي تجاهي .
اتصلت على الفور ببيتها تلفونيا وعلمت أنها غير موجودة في بيتها، فاتصلت مرة ثانية بعد الظهيرة، وقيل لي إنها غير موجودة. وكما قدرت في حساباتي؛ «إنها تنوي أن ترد في المرة الثالثة.» وعندما اتصلت بها للمرة الثالثة في الساعة الخامسة بعد الظهر، التقطت سماعة الهاتف فورا وقالت حجة للاعتذار: «لقد كنت خارج البيت وعدت إليه لتوي.»
ولأني اعتدت على تلك الحيل، فقد تقبلت حجتها بتلقائية، ورجوتها أن تلتزم بالحفاظ على موعدنا بعد غد. «إن تدهور الأعراض أمر مؤقت ويشير إلى استجابة صحية للعلاج. إن هذا دليل على أن الجلسة الأولى كانت لها فاعلية وتأثير إيجابي، ويجب ألا تقلقي. وعلى كل الأحوال، مستقبلا، ستندمين على أنك لم تأتي إلا مرة واحدة فقط، أنا أتقدم إليك برجاء المجيء بعد غد مع علمي أن الأمر شاق عليك.»
قالت بصوت مبحوح ومنخفض وهي تتعمد أن تكون مبهمة: «هل تنتظر حضوري في شوق؟» «بالتأكيد أنتظرك في شوق.» «أحقا ما تقول؟ ... ولكن على أي حال، لا مانع. سأحضر في الموعد.» ... ريكو التي أتت أخيرا في موعدها بالضبط، كانت هذه المرة مختلفة تماما؛ ترتدي معطفا رماديا وبدلة رمادية كذلك.
وبعد أن أرشدتها إلى غرفة التحليل النفسي، بدا عليها القلق وعدم الهدوء. ثم أخيرا نطقت بما يلي: «إنني في منتهى الخجل، ولكنني إن لم أقل لك ذلك فلن تستطيع أن تفهمني. ولذلك سأجرؤ على قوله. أرجوك يا دكتور ألا تنظر إلى وجهي بهذا الشكل! أرجوك أن تدير وجهك ناحية الجدار ... أجل، هذا جيد.
Shafi da ba'a sani ba