عندما مات وتجمع الأهل والأقرباء في غرفته، كنت منهارة أبكي وأنا أمسح وجهي في يديه؛ كنت أقاوم إبعادهم لي عنه بشراسة، والسبب أنني كنت أشعر بمشاعر متعة لدرجة أنني كنت على وشك الإغماء من النشوة. كان وجهه بعد موته - بأي طريقة ينظر إليه - وجها قبيحا كهيكل عظمي، إلا أنني شعرت برغبة في أن يضعوني معه في التابوت كما أنا بنفس مشاعر المتعة تلك.
كنت أسمع [الموسيقى] في كل مكان. فاضت الموسيقى وملأت السماء والأرض، وطافت برقة وعذوبة داخل جسدي وخارجه. ربما كانت الموسيقى التي كنت أتوق إليها، هي موسيقى الألحان الجنائزية. أعتقد أنني حقا امرأة مرعبة، عظيمة الذنوب.»
قلت لها: «إن تأنيب الضمير، وتفسير مشاعرك الجميلة على أنها شر محض من علامات المرض. ما رأيك في التفكير كما يلي : حتى الآن كنت تكبتين مشاعرك، ولكنك هذه المرة تخليت عن نفسك تماما، واستطعت أن تقدمي خدمة للآخرين بتفان مطلق، فتحرر جسدك وقلبك، وفاضت نضارتك وأنوثتك الحقيقية. إن التحليل النفسي ليس الهدف منه تعقيد ما يمكن تفسيره ببساطة. إن فكرنا بهذه الطريقة، فمشاعر الحزن عن خطيبك الراحل هي مشاعر طبيعية جدا، وما من ضرورة للإحساس المريب أنها ذنب كبير.»
قالت ريكو بنبرة محتارة: «أشكرك على قولك هذا. بسماع ذلك بدأت أشعر أن ذلك هو ما حدث.» - «لا بأس من الاستمرار بهذه المشاعر بتلقائية وبساطة. من المؤكد - بفعل ذلك - أن كل شيء سيسير على ما يرام.» - «ولكن هذا مستحيل يا دكتور.» هذه المرة اعترضت بثقة على كلامي فجأة «من أجل أن أستمر إذن بتلك المشاعر، من الذي يجب أن يموت مرة أخرى؟ من الذي يمرض مجددا بمرض لا أمل في شفائه ويعاني حتى الموت؟
أنا لا أعتقد إلا أنني امرأة مشئومة مرعبة تجعل من الناس واحدا بعد الآخر ضحايا من أجل متعتها فقط.» - «كلا، الأمر يختلف. فأولا قول التضحية من أجلك أنت يخالف الحقيقة الواقعة، أليس كذلك؟ لقد تصادف أن مرض خطيبك مرضا مميتا، وذهبت أنت لتمريضه دون أن يطلب أحد منك ذلك، أليس هذا ما حدث؟» - «ولذلك ... ولذلك، أنا مثل نسر أصلع. إنني غراب الشؤم الذي يشم رائحة الموت، فيهرع طائرا إلى هناك.»
عندما سمعت ذلك كانت ريكو التي غطتها الملابس السوداء تماما، والتي لا تضع ولو أحمر الشفاه، تعطي انطباعا بأنها غراب أسود. - «لا داعي للتفكير في الأمور بتلك المأساوية.» - «كلا، لقد فهمت الأمر هذه المرة. إنني لن أستطيع سماع الموسيقى ما لم ألاحق الأمور وأمعن النظر فيها وأحولها إلى أمور مأساوية.» - «إن كان الأمر كذلك، ففكري كما تشائين. ولكن إن تحدثت بصراحة، فأنا أرى أن مشاعر استمتاعك بتمريض خطيبك تخفي الانتقام بوضوح. ولكن مهما كان الدافع، فلا بأس ما دام السلوك الذي نتج عنه سلوكا راقيا جميلا. ربما من الأفضل التفكير كم في المائة من السلوكيات الجميلة للمجتمع هي سلوكيات فاضلة ، وكم في المائة منها سلوكيات جنسية، ولكن ذلك فقط لن يقلل من قيمة ذلك السلوك.» - «إنك حقا إنسان ساخر يا دكتور.» برزت على وجه ريكو لأول مرة ابتسامة إرهاق «ولكن أنا أشعر الآن بالخوف. خائفة خوفا شديدا. ولا أعرف السبب ...» - «مم تخافين؟»
نظرت إلى عينيها بحنان. ووقتها، جرت في خدها للحظة رجفة سريعة بعد غياب طويل.
تلك الرعشة التي تشبه صاعقة صغيرة، بدت كأنها عصفور غرائبي لا يمكنني رؤيته. كان ذلك العصفور يلاحقها مقتفيا أثرها دون أن يبتعد عنها، ومع أنه رحل أخيرا إلى مكان بعيد لبعض الوقت، إلا أنه عاد مجددا ليظهر في عشه الأصلي، يدخل مع وميض أجنحته، ليختبئ في ذلك الوكر المظلم الدافئ في قلبها المريض مرة أخرى.
إنها حالة ذهنية لا تلائم طبيبا مطلقا، ولكن لا يمكن أن أنكر أن بوادر ظهور فشل العلاج تلك أعطت لي ما يشبه فرحة النصر أكثر من كونها تثبيطا لهمتي؛ لأن ذلك علامة أدل من أية علامة أخرى على أن ريكو التي ظننت أنها رحلت إلى الأبد إلى مكان بعيد جدا، عادت إلى أحضاني مجددا.
ولكن على ما يبدو أن ريكو نفسها لم تنتبه إلى تلك الرجفة. - «ما أخافه ... يا دكتور، أن دوام الحال هكذا، يعني أنني بالتأكيد، في طريقي لأن أكون امرأة لا تستطيع سماع [الموسيقى] إلا في ذلك الوضع الشاذ، وهي تودع مريضا يحتضر. ولذلك يبدو أنني أتمنى فناء البشر من أجل مصلحتي فقط. وإن وصل الأمر إلى أن أجعل ريوئتشي يلاقي هذا المصير، فإنني حينها مهما ندمت حقا فلن ينفعني الندم. وأعتقد أنني ربما أنتحر من شدة الإحساس بوضاعتي.» - «لا تمزحي. فهل يعقل أن يصاب الشباب عن بكرة أبيهم هكذا بالسرطان؟ إن السيد ريوئتشي كما ترين رجل ضخم الجسم متين الصحة لن يموت حتى لو حاولت قتله.» - «لا أدري. فأنا لم أقابل ريوئتشي بعد ما حدث. وأعتقد أنه غاضب مني، ولكن ما باليد حيلة في ذلك. وعندما أقابله ... ربما عندما أقابله مرة ثانية ... أخاف؛ لأنني أشعر أنني سأتمنى موته.» - «ما هذا الغباء؟!» - «ما من وجود لكلمة «الغباء» داخل غرفة التحليل النفسي هذه يا دكتور. فهنا يمكن أن يحدث أي شيء؛ لأنني أعشق ذلك الرجل عشقا شديدا؛ لذلك بالذات أشعر أنني لا أستطيع أن أقابله. هل ثمة امرأة تذهب للقاء حبيبها وهي تتمنى أن يصاب بمرض مميت؟ إنني أكره ذلك مهما كان. أكره ذلك مهما حدث. أكره ذلك من أجل حبيبي.»
Shafi da ba'a sani ba