Matsalar Kimiyyar Dan Adam
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
Nau'ikan
فقد بدا أنها وصلت بالإبستمولوجيا وفلسفة المنهج إلى طريق مسدود.
والواقع أنها كانت إيذانا بالطريق المسدود الذي ستصل إليه الفيزياء الكلاسيكية ذاتها، وضرورة الانقلاب على مسلماتها كما فعلت النسبية والكوانتم ، ومشكلة الاستقراء التي أثيرت قبل أزمة الفيزياء الكلاسيكية بمائة عام ونيف ليست يأس الفلسفة أو فضيحتها، بل هي تأكيد قدرة الفلسفة على استشراف الآفاق المستقبلية، واستعصاؤها على الحل وفقا لمسلمات العلم الكلاسيكي (حتمية، ميكانيكية، علية، اطراد، الطبيعة، يقين ...) لم يكن يعني عقم فلسفة المنهج، وضرورة وأدها، بل كان يعني عقم فرض الاستقراء ذاته، وضرورة الانقلاب عليه من أجل الوقوف على الكنه الحقيقي للنشاط العلمي، بعبارة أخرى لم يكشف عن مثلب في الفلسفة، بل عن مثلب، أو عن مثالب منطقية في فرضية الاستقراء والبدء بالملاحظة. وهذه المثالب كالآتي: (1)
استحالة تبرير القفزة التعميمية (مشكلة الاستقراء المذكورة). (2)
لو كان القانون القانون العلمي محض تعميم لوقائع مستقرأة، فكيف يتسلل إليه الخطأ، هو طبعا أمر واقع في العلم؟ (3)
إذا عجزنا عن تبرير الخطأ، ومن ثم تبرير التصحيحات، فكيف يتأتى التقدم العلمي؟ (4)
الاستقراء يحدد الطريق إلى الفرض أو القانون، وكل من يسلكه؛ أي يتبع خطوات الاستقراء يصل إلى قانون، وكل قانون اكتشاف لحقيقة، حتى أكد بيكون أن البحث العلمي متاح لذوي العقول المتوسطة، إذن فالعلم نشاط آلي، وليس البتة فعالية إنسانية نامية باستمرار. (5)
إذا كان العلم اكتشافا آليا للحقائق، ولا حاجة لفروض من خلق وإبداع الذكاء الإنساني، فما هو تبرير التفاوت في قدرات العلماء وإنجازاتهم؟ (6)
والأهم: ما تبرير بقاء مشاكل علمية «مثلا السرطان» بغير حل مع توافر كم هائل من المعطيات التجريبية بشأنها يمكن ملاحظتها، ثم تعميمها؟
والآن يمكن التقدم خطوة منطقية أبعد وأجرأ ونقول: فكرة «الاستقراء» بوصفه المنهج التجريبي ليس به مثالب وأغاليط منطقية فحسب، بل به استحالة منطقية أصلا، بعبارة موجزة البدء بالملاحظة يستحيل أن يفضي إلى شيء، والمسألة كما طرحها جاستون باشلار أن الواقع هو نقطة نهاية التفكير العلمي لا نقطة بدايته. وهذه فكرة انطلق فيها فلاسفة العلم المعاصرون، وأمعنوا في الانطلاق، فقد أصبح من الممكن بعد كل هذا الشوط من التقدم العلمي والإحاطة الوصفية بالوقائع أن يناقش بول فيير آبند فكرة علم طبيعي بغير خبرة تجريبية، بغير عناصر حسية.
وعلى أي حال كان بوبر أول وأهم من اعتنوا بتوضيح وإثبات أن البدء بالملاحظة الخالصة فقط، ثم تعميمها فنصل إلى قانون أو نظرية علمية، وبغير أن يكون في الذهن أي شيء من صميم طبيعة النظرية هذه فكرة مستحيلة خلف محال، وقد مثل لهذه بأقصوصة عن رجل كرس حياته للعلم، فأخذ يسجل كل ما استطاع أن يلاحظه، ثم أوصى بأن تورث هذه المجموعة من الملاحظات التي لا تساوي شيئا إلى الجمعية الملكية للعلوم بإنجلترا لكي تستعمل كدليل استقرائي! وهي طبعا لن تفيد العلم في شيء، ولن تفضي إلى شيء، وقد حاول بوبر أن يؤكد هذا أكثر، فبدأ إحدى محاضراته في فيينا بأن قال لطلاب الفيزياء: «أمسك بالقلم والورقة، لاحظ بعناية ودقة، سجل ما تلاحظه!» بالطبع تساءل الطلاب عما يريدهم بوبر أن يلاحظوه، ومن هنا أوضح لهم كيف أن «لاحظ» فحسب لا تعني شيئا، فهي خلف محال، العالم لا يلاحظ فحسب، الملاحظة دائما منتقاة توجهها مشكلة مختارة من موضوع ما، ومهمة محددة، واهتمام معين، ووجهة من النظر نريد من الملاحظة أن تختبرها. المشكلة هي ما يبدأ به العالم وليس الملاحظة الخالصة كما يدعي الاستقرائيون، فماذا عساه أن يلاحظ ويسجل، بائع جرائد ينادي وآخر يصيح، وناقوس يدق ... أم يلاحظ أن كل هذا يعرقل بحثه، إن العالم يحتاج مسبقا لنظرية يلاحظ على أساسها. فهو يبدأ من الحصيلة المعرفية السابقة لتحدد له موقف المشكلة، وتعين على فهمها فيقدح عبقريته العلمية للتوصل إلى الفرض الذي يستطيع حلها، ها هنا يلجأ إلى الملاحظة ليختبر فرضه تجريبيا عن طريق النتائج المستنبطة.
Shafi da ba'a sani ba