Matsalar Kimiyyar Dan Adam
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
Nau'ikan
فهل قفزت الوظيفة بعلم الاجتماع إلى مرحلة التفسير العلمي الناضج المقنن منطقيا؟ في الإجابة عن هذا نلاحظ أن الوظيفة في خاتمة المطاف نظرية اجتماعية، وسوف نرى أن الخلل المنطقي في حدود النظرية الاجتماعية بصفة عامة من أشد ما يدفعنا لمحاولة تلمس التقنين المنطقي لإقالة العلوم الإنسانية من تعثرها في المرحلة التفسيرية. وثانيا نلاحظ أن الوظيفية - بصفة خاصة - يؤخذ عليها أن مفهوم الوظيفة غير محدد، وأنها تحيز أيديولوجي محافظ يهدف إلى إبقاء الوضع القائم، ما يجعلها تنكب بلا موضوعية على تفسيرات استاتيكية واستقرارية للمجتمع، وأنها من ثم تنطوي على تقدير غير متناسب لدور الأنظمة المغلقة في الحياة الاجتماعية، تفشل في تناول مشكلة التغير الاجتماعي بنجاح، فتعجز عن تفسير ظواهر من قبيل الصراع والتفكيك، فربما استطاعت أن تفسر جيدا لماذا تستمر الأشياء، لكنها لم تفسر أبدا لماذا تتغير؟ إنه نفس المأخذ الذي كان يؤخذ من قبل على الوضعية. بينما يؤخذ على الماركسية مغالاتها في تفسير التغير، ومن ثم عجزها عن تفسير الثبات النسبي الذي تتمتع به بعض الأنظمة الاجتماعية. وقد يبدو أن البنيوية تمثل الوسط الذهبي في هذا الصدد، من حيث إنها تنص على التحول
Transformation
بجانب الكلية والضبط الذاتي. وسرعان ما يخيب هذا الأمل حين نجد أهم أعلامها، ألا وهو كلود ليفي شتراوس - أعظم من قام بتطبيقها خصوصا في الأنثربولوجيا - يؤكد أن صلب المنحى البنيوي ليس شيئا أكثر من «البحث عن الثابت، أو هو البحث عن العناصر الثابتة فيما بين الاختلافات السطحية»،
29
وقد ظلت البنيوية دائما أقرب إلى الطابع المحافظ السكوني المناهض لديناميكية الماركسية. وبرفقة الماركسية يقف التيار النقدي في علم الاجتماع الأمريكي (على أن نفصل بين الماركسية كمدرسة علمية وبينها كمشروع سياسي). والذي يعنينا الآن أن الوظيفية التي انتقيناها مثلا تعجز عن التفسير العلمي بسبب اهتمامها منذ البداية بقضايا خاصة بشروط التوازن الاجتماعي، هي قضايا لا يمكن أن تشتق منها نتائج نهائية في نسق استنباطي، ويؤكد إرسنت ناجل استحالة اعتبارها تفسيرا لافتقارها إلى الاتفاق مع الأدلة التجريبية المتوافرة، وهناك أدلة على أن المجتمعات ليست أنساقا عضوية مغلقة كما تدعى الوظيفية.
30
على الإجمال نجد التفسيرات المدعاة للوظيفية تفتقر إلى المحتوى المعرفي، ما أدى إلى الحكم بأنها تنزع إلى التفسير الغائي بافتراضها فروضا غير قابلة للاختبار؛ أي أنها محاولات غير علمية، والبنيوية هي الأخرى تلقى نقدا مريرا؛ لأن بعض فروضها غير قابلة للاختبار التجريبي. لقد توقفنا عند الوظيفية؛ لأنها معبرة عن اتجاه علم الاجتماع المخلص في اقتفاء أصوليات المنطق التجريبي، الذي يمتد من الوضعية وحتى البنيوية، والوضعية الجديدة أو المحدثة في الربع الثاني من القرن العشرين، والاتجاه السوسيولوجي الأمبيريقي والسوسيوميترية ... إلخ؛ وذلك لكي تعطينا الوظيفية تمثيلا عينيا شاهدا على تعثر الدراسات الاجتماعية في طريقها نحو النظريات التفسيرية العلمية حقيقة، فنكون على بينة حية من جزئية معبرة، حين نتناول في الفصل التالي من الكتاب إشكالية المنطق التفسيري للعلوم الاجتماعية، وافتقار النظرية الاجتماعية من حيث هي هكذا للتقنين المنطقي الدقيق، الذي يجعلها علمية حقا.
ومن المهم أيضا أن نكون على بينة من أن تلك الاتجاهات؛ أي السلوكية والوضعية وسليلاتها ... إلخ، في محاولتها الإخلاص لمثاليات العلم التجريبي، الكلاسيكي، تبنت الإمبيريقية المتطرفة بحماس فائق، على حساب طبيعة العلم المبدعة الخلاقة، وطبيعة الظاهرة الإنسانية على السواء، فراحت تواجه مشكلة التخلف النسبي للعلوم الإنسانية بالعود المباشر إلى الوقائع التجريبية الملاحظة إمبيريقيا، وهذا ليس حلا للمشكلة، بل على العكس هو المشكلة عينها؛ لأن الوقوف على الواقعة التجريبية فقط، يعني في حد ذاته عدم القفز إلى المرحلة التفسيرية ، اكتفاء بالوصف.
إذن، نخلص مما سبق إلى تحديد مشكلة العلوم الإنسانية، أو منطق تخلفها النسبي عن العلوم الطبيعية فقط بعجزها عن بلوغ المرحلة التفسيرية المقتدرة، أو بالأدق اضطراب محاولاتها التفسيرية، وافتقارها للتقنين المنطقي، كما أشار هومانز ليس ثمة كلمة تستخدم في العلوم الإنسانية أضخم وأجل من كلمة «النظرية»، ولكن نادرا ما يسألون أنفسهم: ما النظرية؟ إن النظرية تفسير لظاهرة، وكل شيء ليس تفسيرا لا يستحق اسم «نظرية».
31
Shafi da ba'a sani ba