65

Matsaloli da Baƙi

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

Nau'ikan

10

فالشفقة والرحمة ورقة القلب كلها سمات جيدة، لكنها إن كانت السبب وراء أفعالنا بدلا من فكرة الواجب فإنها تصير، بحسب كلمات كانط، عبئا على أصحاب التفكير السليم الذي يرغب بالتبعية في التخلص منها، وأن يخضع لقانون العقل وحده، فهذه المشاعر مثال على ما يسميه «الحب المرضي». ويصر جاك لاكان هو الآخر، متحدثا عن النظام الواقعي وليس النظام الرمزي، على أن «المشاعر خادعة باعتبارها دليلا للنظام الواقعي.»

11

فإن جردنا الأخلاق من كل العواطف - بحسب زعمه - فسينتهي بنا الحال إلى رؤية رجل مثل كانط، أو رجل مثل ساد، في هذا الخصوص. لا يرى كانط أن فعلي التنازل والمثالية يمكن أن يكونا هما ذاتهما مصدرا للذة شهوانية كامنة. إننا لا نواجه من يجردوننا من متعتنا بغير عاطفة بغض.

إذا تتمتع الرؤية الأخلاقية البريطانية بسحر جمالي معين، لكنها خيار عاطفي بصورة زائدة. يرى كانط أن الخير ما هو إلا نزعة؛ فهو لديه حذر بروتستانتي من القيم التي تكتسب بسهولة من دون الصراع الداخلي والانتصار على النفس. وينظر كانط بعين الإعجاب لقلق البرجوازيين من ذوي الفكر الذين يصارعون ضمائرهم وليس التلقائية المرحة للأرستقراطيين، فهو لا يعجبه عدم الاكتراث الجريء المتعجرف الراقي الذي عرف في عصر النهضة باللامبالاة؛ فالأشياء الثمينة هي التي تجهد في طلبها؛ لذا فالطبيعة الرحيمة التلقائية حقيقة وراثية - وليست أخلاقية - عن البشر. وبينما يرى أرسطو أن أولئك الذين لا يحصلون الرضا من الأفعال الفاضلة هم في الحقيقة ناقصو فضيلة، ويصر ديفيد هيوم على أن هذه المتعة عين الدليل على الفضلاء، يرى كانط أن أولئك المتصفين بالبرود، ويتمكنون رغم ذلك من فعل الخير، يتمتعون بالحظ الأوفر من الأخلاق. فكلما زادت مجاهدتنا للنزعات التلقائية لدينا أصبحنا أكثر جدارة بالثناء أخلاقيا؛ فالمتعة دافع دوني في نظرته الناقدة القاسية، بعكس شافتسبري وهتشسون. وحيث إن نوبات التعاطف المفاجئة هذه لا تشمل أفعالا إرادية فهي لا تعتبر استجابات أخلاقية على الإطلاق، فالإحساس يعد بصورة كبيرة عدوا لما هو أخلاقي، وما لا يستلهم من الواجب يجب أن يفعل بدافع المتعة الخالصة حتما. إنها رؤية حياتية قائمة على الصرامة، إن لم تكن مؤذية، فهي لا تفيد. فكما هو الحال مع السجائر، من الأفضل في المجمل ألا تجد السلوك الفاضل ممتعا بصورة زائدة عن الحد.

قضت أطروحة كانط المضادة على قدر كبير من المساحة البينية المشتركة بين النزعة الطبيعية والالتزام. ومن بين ما استبعد كان المفهوم الأرسطي الخاص بالنزعة الأخلاقية التي ليست مسألة خاصة بالواجب المجرد ولا بالدافع الشعوري ولا العادة التلقائية ولا الفعل الإرادي الشاق؛ فالنزعات تتضمن عواطف ؛ لكنها عواطف مقترنة بأحكام وموجهة نحو فعل محتمل، وليست نوبة أو وخزة داخلية تغذيها النزعة العاطفية لذاتها؛ فلكي نحسن التصرف فعلا، علينا أن نمتلك أحكاما ومشاعر ومواقف سليمة؛ لكن ما يهم في النهاية هو حسن التصرف. بهذه الصورة فإن الدافع الأخلاقي العقلي البحت عند كانط يقدم تصورا ناقصا عن الفضيلة بقدر تصور أنصار مذهب الخير البدهي البحت، الذي يبدو أنه لا يترك سوى مساحة قليلة للتقييم العقلاني؛ فالنزعات ليست نوبات عمياء من الشعور التلقائي، بل هي حالات يجب بذل الجهد لاكتسابها وتهذيبها وممارستها ومراقبتها إلى أن تصير الأفعال التي تدفعنا إليها سهلة واعتيادية. فالرحمة والعطف والرغبة في العدل ليست مجرد مسائل تتعلق بالتفكير المفاهيمي، ولا هي تتبع وخزة جوع أو نوبة حسد مفاجئة، بل هي تشمل كلا من العقل والعاطفة، والفكر والشعور. كما لا يمكن لهذه الملكات أن ترتبط بتعاملاتنا مع من نعرفهم ومن لا نعرفهم، فنحن نتأثر بمصائب الغرباء ونحزن بدافع قربنا ممن حولنا. لقد أصاب كانط في رؤيته أن أنصار مذهب الخير يخاطرون بعزل أنفسهم عن الأخوة العامة؛ لكنه أخطأ في تصوره أن التفكير المجرد وحده يمكن أن يأخذنا لما هو أبعد من عواطفنا الداخلية.

يقول أرسطو في عمله «الأخلاق النيقوماخية» إن حسن النية أو الإرادة الخيرة تشبه الصداقة لكنها لا تماثلها تماما، حيث يمكن أن تكنها لمن لا تعرفهم. أما مفهوم حسن النية عند كانط - في بحثه عن مبدأ جماعي يتجاوز الأمور الشخصية عند أسلافه البريطانيين - فينبغي أن يؤدي دورا محوريا جدا. لكن من الخطر الاعتماد الزائد في الأمور الأخلاقية على قضايا الدافع والإرادة؛ وحيث إن الفعل الصالح عرضة للشك في دوافعه فإن كانط أخطأ في افتراض أن الإرادة لها اليد العليا في المسائل الأخلاقية؛ فالأهم في مثل هذه المسائل هو ما تفعله وليس ما تريده أو تنويه، فإعطاء بعض النقود للمشردين في الطرقات بهدف إراحة ضميرك أفضل بكثير من إعراضك عنهم. كما أن فكرة كانط، التي اعتبرها حقيقية، عن الإرادة تبدو بعيدة كل البعد عن أن تحظى بالاستحسان مقارنة - مثلا - بمفهوم الإرادة عند توما الأكويني. فالإرادة عند الأكويني ليست دافعا عقليا غير مشروط، بل هي نوع من التوجه الأولي في وجودنا، ونزعة داخلية إلى الخير أو الطبيعي موجهة نحو صلاح المعيشة؛ فبالنظر إلى وجودنا الجسدي فنحن لدينا رغبة في الخير ليست اختيارية في حد ذاتها؛ فمسائل الاختيار كما رأى الأكويني تعتمد في النهاية على تكوين أجسادنا المادي؛ فهو مفهوم للإرادة يتمتع بقبول أكثر من معظم نظائره الحديثة.

12

يقع كانط في خطأ جوهري في كتاباته الأخلاقية، وهو افتراض أن الفرق الأخلاقي المهم هو الفرق بين النزعة الطبيعية والالتزام. وكذلك - كما سنرى لاحقا - حال بعض أنصار النظريات الأخلاقية الخاصة بالنظام الواقعي في يومنا الحالي الذين يظلون من هذا المنطلق كانطيين منغلقين. فإن لم تكن فاعلا عقلانيا، فإنك إذن أناني همك تحصيل اللذة. لكن لم يكن كانط ليقبل بأن الرغبة في فعل شيء - بشرط ألا يكون مؤذيا - سبب جيد تماما لفعله. على أي حال، فحتى الحيوانات يمكن أن تتصرف بدافع أكثر من مجرد اللذة الخالصة من وقت لآخر، حتى وإن كانت تواجه صعوبة في استيعاب الأمر أو الواجب المطلق. إن كانط قبل غيره هو من وضع الفكر الأخلاقي على الطريق الذي أدى إلى المساواة الزائفة بين الأخلاق والواجب، وهو مزيج نجد آثاره تمتد حتى إيمانويل ليفيناس وجاك دريدا. (إلا أنه لا توجد - كما يذكرنا بيرنارد ويليامز - كلمة يونانية قديمة ل «الواجب».)

13

Shafi da ba'a sani ba