41

Matsaloli da Baƙi

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

Nau'ikan

ويرى هيوم أن القانون والسياسة هما نتاج فشل الخيال. وبالنظر إلى أن مصالح البعيدين عنا من الصعب وضعها في الاعتبار بوضوح، فمن الواجب إحالتها إلى الآليات المجردة كمؤسسات العدالة.

يؤمن هيوم بكل تأكيد بأن كل البشر مرتبطون بعضهم ببعض بالتشابه؛ لذا فإن طبيعتنا المشتركة تمثل معادلا لحب الذات؛ إذ يمكننا الشعور بالشفقة تجاه الغرباء «بمعنى الذين لا نعنيهم» ولو بسماعهم وهم يذكرون مصائبهم أمامنا. إلا أنه يرى أن الرحمة «تعتمد في جانب كبير منها على التماس مع الشيء والرؤية الواضحة له» (418). وهو أحد الأسباب التي دفعته للانتقال في نفس الفقرة إلى موضوع التراجيديا؛ فالهدف من الفن التراجيدي هو تقديم صور ملموسة للشخصيات التي تستحق الشفقة التي لا نعرفها، وهذا هو السبب في أن موت كورديليا (في مسرحية «الملك لير») يمكن أن يؤثر فينا كموت صديق؛ فالتعاطف عند هيوم يتوقف بنحو كبير على التصوير؛ فالغرباء الذين يمكننا أن نرتبط بهم هم الذين نسمع عنهم، فالأخلاق والإبستمولوجيا متلازمان على الأقل في هذا الإطار، بحيث إنه من دون العقل الذي يصنع الصورة فإن مشاعرنا المتعاطفة ستظل خاملة وهامدة.

يتحدث هيوم في موضع آخر في عمله «رسالة في الطبيعة الإنسانية» عن تقديم المساعدة لشخص غريب تماما على وشك أن تدوسه الخيول بحوافرها؛ لكن النقطة تكمن في أن الغريب المذكور حاضر ماديا، وهو أمر في نظر هيوم محفز للعواطف أقوى بكثير من تصور ضبابي للخير العام؛ إذ يرى أنه يوجد فعلا مثل هذا التعاطف العام بمعنى أن كل شخص أيا يكن يمكنه من حيث المبدأ أن يثير تعاطفنا؛ لكن مشاعرنا - كلعاب كلب الحراسة - لا تتدفق بحق إلا إن كان الآخر ملموسا ممثلا موجودا في المحيط إما عن طريق الخيال أو الواقع. يكتب هيوم: «ما من إنسان، ولا أي كائن عاقل، لا تؤثر سعادته أو شقاؤه - بقدر ما - علينا عندما يقترب منا» (533). لكن العبارة الأخيرة هي ما يميز الحالة التي ذكرها عن حب البشرية عامة، وهي عقيدة (رغم النزعة الشاملة لاهتماماته الثقافية) يتبرأ منها في هذا الموضع بالتحديد.

يتحدث هيوم في موضع آخر في عمله «رسالة في الطبيعة الإنسانية» بنفس الصورة عن الشعور بالتعاطف تجاه «أي شخص حاضر أمامنا» (432)؛ بينما يقول في عمله «بحث في مبادئ الأخلاق» إننا «على استعداد أكبر بالتأكيد للخوض في بحر العواطف التي تماثل تلك التي نشعر بها كل يوم؛ لكن لا يمكن ألا نبالي بعاطفة إن كانت متمثلة لنا بوضوح ...»

57

مرة أخرى يأتي التأكيد على العرض الحي، كما في المسرح؛ إذ يجب على الآخرين أن يستحوذوا على تخيلاتنا إن أرادوا استثارة تعاطفنا، والخيال بالمعنى قبل الرومانسي الذي استخدمه هيوم أكثر تأثرا على نحو كبير بالقريب من البعيد. تتسم مثل هذه الأخلاق التجريبية بالخصوصية الأخلاقية، التي تعكس ضيق الأفق العاطفي لعضو في حزب المحافظين، فكأن هناك أخلاقا محددة تشكل امتدادا لإبستمولوجيا محددة، قد يصل الخجل من التجريد المفاهيمي والإصرار على ما يمكن قياسه ماديا إلى اقتناعنا بأن الغرباء ليسوا جيرانا في الحقيقة؛ إذ يؤمن هيوم بأن الأشياء التي تمسنا في الزمان والمكان لها «قوة وحيوية خاصة» تفوق أي تأثير آخر (474). فمن الغريب إذن أن بريطانيا في القرن الثامن عشر يبدو أنه قد شغفها الاهتمام بإمبراطوريتها؛ أي أن تشغل مجموعة من الأمم البعيدة عواطفها الخيالية بالقوة التي كانت عليها.

لقد كان التحول إلى الرومانسية محاولة - من بين أشياء أخرى - لتصحيح قصور الرؤية الأخلاقية هذا. وبينما كان الخيال بمنظور القرن الثامن عشر هو الملكة التي تولد صورا مرئية لما يظهر أمام أعيننا، تمثلت مهمة الخيال الرومانسي بصورة كبيرة في استحضار ما هو غائب عنا مؤقتا أو مكانيا؛ ومن ثم تكوين شبكة من العواطف العامة حية وباقية بقدر العواطف المحلية. وبمجرد تحول الخيال إلى ملكة عامة، كما في الرومانسية، يفقد منطق التجريبي الكثير من قبوله.

إن هناك أسسا مميزة لما أسميته - بشيء من المفارقة - الأخلاق الخيالية. (وهي مفارقة في التسمية لأن النظام الخيالي اللاكاني في الحقيقة سابق على الأخلاق.) فهذه الأخلاق من عدة أوجه نسخة علمانية من التناغم والانسجام والتوافق التي أرسيت جميعا مسبقا - إن جاز التعبير - في الفردوس، أو في عوالم فلاسفة العصور الوسطى أو في الكون المتناغم عند الأفلاطونيين الجدد. وبحلول زمن هتشسون فقدت هذه الرؤى العظيمة اعتبارها على نحو كبير؛ لكن نتيجة لوجود طوفان من الفردية الهادمة الآن ظهرت حركة لإعادة إنتاج هذه الرؤى في شكل دنيوي ملائم؛ إذ يجب إعادة الروابط الإنسانية إلى عالم محروم منها تقريبا. وفي ظل ثقافة العقود والالتزامات القانونية الجامدة، فإن إصرار أصحاب مذهب الخير على الحب والرحمة والكرم يتسم بدفء عاطفي مقبول. ويسيء لهذه القضية - كما سيبين كانط لاحقا - أن يكون البديل الوحيد للالتزام الأخلاقي هو التصرف الذي يخدم اللذة الأنانية الخاصة للفرد. إن هذا يستحضر مجال اللذة كله من البيوريتانيين المتزمتين، ويعيده إلى مكانه المركزي في الفكر الأخلاقي. لقد كانت علامة الإنسان الفاضل، كما يرى ديفيد هيوم، أن يحصل السرور من الرحمة والإنسانية. ويقر فلاسفة مذهب الخير بطريقتهم الخاصة - في كلمات برنارد ويليامز - بأن «الخط الفاصل بين الاهتمام بالذات والاهتمام بالغير لا يتفق بأي نحو مع الخط الفاصل بين الرغبة والالتزام.»

58

يوجد شيء من الشرف والجمال في هذه الرؤية الخيالية التي قد تبدو بجانبها الأخلاق الرمزية التي سنتناولها بعد قليل فقيرة وبغيضة. لقد أصاب الفلاسفة الأخلاقيون الذين عرضنا لهم في رأيهم أن الأخلاق تتعلق بالإشباع الإنساني، وكذلك بشأن القيم المهمة حقا، بصرف النظر عن مدى خطئهم بشأن التأصيل لها، فعلى عكس أرسطو الذي يبدو الإنسان الفاضل في نظره أحيانا كقطب إعلامي متمتع بنجاح باهر، وبالتأكيد منافق متغطرس، فإن الأخلاق لا ترى الرجال والنساء مكتفين بذواتهم، بل في حاجة مستمرة للحنان والدعم. وبخلاف إرث مهم من الطوعية الأخلاقية، فهي تقر بالقيمة المناسبة للحظة الأخلاقية السلبية؛ بمعنى التحرك والتقيد والحث والدفع التلقائي نحو الفعل. صحيح أنها ترى الأفراد غير قادرين على تقرير مصيرهم، وتعتبرهم مفرطين في الحرص على المحاكاة والتكيف، يرزحون تحت نير آراء أقرانهم. وهذا، من بين أشياء أخرى، انعكاس للسياق الاجتماعي لهؤلاء المنظرين الذين تشاركوا باعتبارهم منتمين لطبقة اجتماعية واحدة إلى حد ما نفس الآراء من دون التمعن فيها كثيرا. كما أنهم انشغلوا كثيرا بسمعتهم، وهو أحد الأسباب التي تجعل نظرة الآخر شديدة الأهمية عندهم.

Shafi da ba'a sani ba