124

Matsaloli da Baƙi

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

Nau'ikan

لكن تلك الروابط الرمزية يجب أيضا الحفاظ عليها؛ إذ لو لم يحب النبي إبراهيم ابنه حبا جما، لما كان ذبحه يعد بالطبع تضحية. ولا بد له، كما كان، أن يكره إسحاق بقدر ما يحبه، وهو بقتله يضحي بالأخلاق أيضا. لكن هذه أيضا لن تكون تضحية حقيقية إلا مع الإقرار كذلك بقيمة الأخلاق.

لم يكن توجه النبي إبراهيم عاطفيا على وجه التحديد، لكن كان يتمتع بالأمل المطلق. وهو تمييز بين الأمل والتفاؤل أوضحه على نحو مفيد الفيلسوف الأمريكي جوناثان لير؛

24

إذ يرفض النبي إبراهيم التخلي عن رغبته في المستحيل - في رب تتفق أوامره مع فروض النظام الرمزي - في المفارقة غير المتصورة المعروفة باسم «الإيمان»، ولأنه تمسك بعناد بالمستحيل؛ فقد تحقق هذا المستحيل؛ حيث يرجع الرب في أمره وينقذ عبده. إن تقبل النبي إبراهيم لعدم الجدوى الظاهرية لفعله هو ما يحقق له في النهاية ما يريد. فهو، كما يشير كيركجارد، «عظيم بتلك القوة التي لا حول لها ولا قوة.» وكما هو الحال في العديد من الحبكات التراجيدية، سيأتي شيء فجأة من لا شيء.

إن البطل التراجيدي الكلاسيكي في نظر كيركجارد يتحرك في الدائرة الأخلاقية، وهو ما يعني أن مصيره - وإن كان لا يحسد عليه - واضح على الأقل. أما النبي إبراهيم، في المقابل، فيتجاوز وساطات الأخلاق التي تقبل كل الخصوصيات فيها التبادل فيما بينها دون اختلاف؛ ليؤسس علاقة مباشرة مع المطلق، علاقة تذهب به إلى ما وراء حدود الخطاب الأخلاقي والفهم العقلاني. ومن الناحية الجمالية، يمكن للمرء أن يدعي أنه يمثل الرمز الرومانسي أكثر من ممارسته التمثيل الرمزي. إن إبراهيم - باستعداده لنبذ الأوامر الأخلاقية باسم النظام الواقعي - يثبت أنه تحد حي ليس فقط للأعراف التقليدية ولكن لجدلية هيجل؛ فهو يرفع الخصوصي على العمومي، متطلعا إلى اللغز المحير لإرادة يهوه مقابل التجليات الواضحة للنظام الرمزي. في نظر الإيمان، يوجد آخر كبير حتى فيما وراء الآخر الكبير الرمزي. ومن هذا المنطلق، يحاول النبي إبراهيم تحقيق المشروع الأكثر إثارة للرهبة عند كيركجارد: الوجود بصفته فردا. فالأفراد، كما رأينا بالفعل، من هذا المنظور البروتستانتي المتطرف كيانات متفردة تماما، لا يوجد تشابه فيما بينها على الإطلاق؛ وهي بذلك تمثل الدمار المحقق للنظام الرمزي ولأي سياسة عقلانية كذلك. والشيء الذي يظل على حقيقته بصفة خالصة وأبدية لا بد له أن يفلت من قبضة كل هذا.

إن النبي إبراهيم بسلوكه هذا يستبق الدراما المأساوية لصلب المسيح، ففقط إذا كان المسيح يجهل مصيره - وقوبلت دعوته المعذبة للشهامة بالصمت القوي الذي هو الرب - فيمكنه أن يعود ممجدا من بين الأموات. وإلا، سيظل عالقا في منطق العين بالعين أو التبادل الرمزي. هذا العذاب المؤقت في مقابل النعيم السماوي. لكن النبي إبراهيم، بعد أن برهن على إيمانه بالرب الذي يتجاوز كل هذه الموازنات والمعادلات، أرجع مرة أخرى للنظام الرمزي، واجتمع من جديد مع ابنه إسحاق. وهذه علامة على أن قانون الحب البشري هو في الواقع وسيلة حضور الرب في العالم. إن قوانين الأخلاق معلقة لكنها ليست غائبة، وبنية هذه الحكاية ساخرة. إن الحكاية التي تحمل لمسة كيركجارد يخطها قلم أحد أكبر أساتذة السخرية في العصر الحديث؛ إذ لا يمكن أن يتحول الإيمان إلى خطاب أخلاقي دون أن يبقى جزء غير مفهوم، ولكن كذلك لا يمكن للاثنين أن يسكنا عالمين منفصلين تماما. فإن كان الإيمان حماقة عند الحكماء، وضربا من الغموض والسمو لا يقبل حساب العوائد، فهو كذلك متجسد في الحب البشري التقليدي؛ والحب البشري هو ما تذود عنه حكاية إبراهيم في النهاية؛ حيث يعاد بابتهاج الابن إلى الأب.

إن رحمة الرب إذن هي ما ينقذ إسحاق من الهلاك؛ لكن ليس لنا أن نفترض قانعين أن منطق الرب يتشابه مع منطقنا؛ وأنه قد أرسل إلى النبي إبراهيم تذكرة في الوقت المناسب بهذه الحقيقة المزعجة من خلال مطالبته الوحشية له بإنهاء حياة ابنه. أما دريدا - في المقابل - فيسعى لجعل هذه الحكاية في خدمة فكر بروتستانتي متطرف؛ فشخصية الرب في هذه القصة تبدو متقلبة ومتغطرسة، لديها أهواء ونزوات، كنجوم موسيقى الروك المدللين . إن هذا في واقع الأمر هو ما يبغضه بشدة الإنسانوي الليبرالي العادي في هذه الحكاية؛ لكن هذا هو عين ما يراه دريدا جذابا. وبما أن إعجابه بالفضل أكبر من إعجابه بالعقل - أي بما أنه يربط العقل بالواقع السياسي، لا بالتحول السياسي (كما هو الحال مع هيجل) - فهو لا يرى هذه الصورة المتقلبة عن الرب التي تحمل طابع باسكال غير مستساغة بأي حال؛ فالخوف والرعدة ليسا شعورين مكروهين على الإطلاق.

إن الإخلاص للنظام الواقعي (لا يستخدم دريدا هذا المصطلح، لكنه يتحدث عن شهود الرب باعتباره شهودا «يذهل من الرجفة») سوف «يجبر فارس الإيمان عند كيركجارد على أن يقول ويفعل أشياء ستبدو (بل ويجب أن تكون) فظيعة.»

25

من الصعب تحديد ما إذا كان دريدا يعني فعلا ما يقول - أن «على» الإنسان أن يقوم (فعلا) بأشياء فظيعة - أو أنه تنميق بلاغي صارخ آخر من جانبه. على أي حال، فهذا غير منصف لقصة النبي إبراهيم الذي يصوره دريدا على نحو فظيع في موضع معين في صورة «قاتل»، لكنه بالطبع ليس كذلك، فهو لا يسعى لقتل ابنه، ويبدو من قصر النظر بعض الشيء أن يتجاهل دريدا هذه النقطة الحيوية في الحكاية. إن هذا مشابه لافتراض أن شخصية ديدمونة لم تمت وإنما أصيبت ببعض الخدوش الطفيفة. وتقع سيلفيان أجاسنسكي في خطأ مماثل؛ إذ تكتب بصورة متكررة عن «جريمة» النبي إبراهيم. لكن إبراهيم لا يرتكب أي جريمة، إلا إن كان الناظر إليه ينتمي لما يعرف بشرطة الأفكار. وفي النهاية، ما من تعارض بين أمر النظام الواقعي وفروض النظام الرمزي؟ فالرب يختبر ببساطة إيمان عبده. والحكاية محاكاة ساخرة للتهور الخلاق الملازم للإيمان؛ فالقانون الرمزي - الأمر بعدم القتل - «هو نفسه» أمر النظام الواقعي. ما من تعارض على هذا المستوى بين الحلول والسمو؛ فبحسب العقيدة المسيحية اليهودية، إن الرب حاضر عندنا بقدر حضور بعضنا أمام بعض؛ فهو متجسد باللحم والدم، ليس فقط (كما يرى دريدا بأسلوبه الجانسني) باعتباره ذاتا لا حاضرة مستغلقة أبدا تضع منطقا إنسانيا بائسا محلها. فعدم التناقض بين الربوبية والإنسانية يعرف في العقيدة المسيحية بعقيدة التجسد؛ فإن كان الرب فعلا على وجه ما آخر مغايرا تماما، فهو يتجسد أيضا في الجسد المعذب لمجرم سياسي مهان. وهذا الجسد، شأنه شأن أي فارماكوس أو كبش فداء ملوث على نحو رهيب، هو «آخر» أو لا إنساني بدرجة كافية ليكون علامة مناسبة عليه. والخبر الجيد في العهد الجديد هو أن الهلاك على يد الدولة في سبيل المناداة بالحب والعدل هو الحال الذي علينا جميعا أن نصبو إليه؛ فرسالة العهد الجديد هي أنك إن خلوت من الحب، فأنت ميت، وإن ملأك الحب، فسيقتلونك. هذا إذن هو مبتغاك المستحيل ومسكنك الزائف. فهي رسالة مخزية بنفس القدر عند الليبرالي المتحضر، والإنسانوي المناضل والتقدمي البريء.

Shafi da ba'a sani ba