122

Matsaloli da Baƙi

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

Nau'ikan

فالمسئولية - كما يصر دريدا - موجودة؛ لكننا نفهم من نبرته أنها تخص إلى حد كبير أطباء الأسنان والبقالين؛ إذ لا بد أن نعطي ما لقيصر لقيصر، ونعطي الأشياء المطلقة ما لها. فالمطالبة بالتفسيرات والتبريرات هو شكل من أشكال «العنف»؛ وهو تعبير منمق ما بعد بنيوي مبالغ فيه. هل نفس الشيء ينطبق على تحميل شركات السكك الحديدية المسئولية عن إهمالها المتسبب في الحوادث، أم أننا نتحدث عن مستوى أرقى تماما؟

إن المسئولية، كما يكتب دريدا، «تتطلب من جهة تقديم تفسيرات؛ أي الرد العام عن النفس فيما يتعلق بما هو عام أمام العموم؛ ومن هنا جاءت فكرة الاستبدال، وتتطلب من جهة أخرى التفرد، والفردية المطلقة؛ وبالتالي عدم الاستبدال وعدم التكرار والصمت والسرية».

17

وقد رأينا بالفعل أن هذا الاستقطاب يمكن تفكيكه؛ فالعمومية الحقيقية تنطوي على اهتمام بما هو خاص، وليس غض الطرف عن المطالبات الخاصة في ضوء السعي الحميم نحو العمومية. إن قوة مصطلح «عام» أو «عمومي» لا تظهر هنا إلا لتذكيرنا بأننا نتكلم عن أي خصوصية، مهما كانت. وما من محاولة هنا من جانب دريدا لإيجاد سبيل من الخاص إلى العام كما هو الحال - وإن كان بمشقة وغموض - في كتابات ليفيناس. وكما هو الحال بالنسبة للنطاقين الحقيقي والظاهري عند كانط، يتجاور هذان العالمان وتفصلهما هوة غير قابلة للاتساع. إن دريدا ليس برجل قرارات، والتي يشك - عن غير حق - في أنها دائما ما تكون مسكنة وعضوانية. فالأخلاق والسياسة في صراع دائم، وكلاهما بالتأكيد لا غنى عنه؛ لكن يبدو أن ثمة أشياء كثيرة تضيع فيما بينهما.

إن أخلاق النظام الواقعي تعارض مظاهر العزاء الزائف للنظام الخيالي، وفي نفس الوقت ترفض ضرورات النظام الرمزي. وهي تعارض ما يسميه دريدا دون اكتراث «سلاسة عمل» المجتمع المدني، أو «الرضا التقليدي بخطاباته عن الأخلاق والسياسة والقانون وممارسة الحقوق ...»

18

فهل كل أشكال السياسة والأخلاق إذا تؤدي ببساطة إلى سلاسة الوضع الراهن؟ وهل كل خطابات المجتمع المدني عن السياسة والقانون والأخلاق مرضية تماما؟ ماذا عن الحملات المضادة للحرب والفقر أو القوانين المجرمة لاستغلال الأطفال أو الكفاح من أجل حقوق المهاجرين؟ أين التناقضات في هذا النظام الاجتماعي المتجانس ظاهريا؟ لماذا هذا التأكيد القوي على تجانس الوجود الاجتماعي من قبل داعية الاختلاف؟ إن لدى دريدا الكثير ليقوله عن عنف القانون؛ ولكنه مثل معظم اليساريين التحرريين يسكت عن قدرته على الحماية والرعاية والتثقيف. يتسم التحرر السياسي بإلحاح لا يألفه ليفيناس المحافظ؛ لكن مفهوم اللاتناهي، لا السياسة، هو ما يشعل جذوة خيال دريدا. يتبنى سايمون كريتشلي وجهة نظر مماثلة عندما يكتب عن الأخلاق باعتبارها «سياسة ما ورائية فوضوية»، أو «تشكيك مستمر من القاعدة في أي محاولة لفرض النظام من الرأس ... فالسياسة تجسيد للاختلاف؛ غرس لتعددية فوضوية تشكك في سلطة الدولة وشرعيتها».

19

لكن ماذا لو كانت الدولة المعنية تكافح لتتحرر من الاستعمار عن طريق القوة الثورية؟ وماذا لو كان تيار معين من المعارضة رجعيا؟ أليس من الممكن ألا يوجد ثمة إجماع أصيل؟

إن مقال دريدا «قوة القانون» مثال تقليدي لهذه التحيزات؛ فالقانون عند دريدا متناه ومحدد وسلبي إلى حد كبير، في حين أن العدالة لا متناهية وغير محددة وإيجابية بامتياز. يبدو الأمر وكأن العدالة، التي تعد حجر الأساس الثمين في النظام الرمزي، لا بد من إخراجها من هذا المجال السيئ السمعة إلى حد كبير، وإحاطتها في المقابل بهالة شبه دينية. أما ليفيناس، فهو أكثر التباسا في هذه المسألة؛ إذ نجده حائرا أحيانا بين إدراج العدالة في المجال الأخلاقي وإدراجها في المجال السياسي. إن ما يسترعي اهتمام دريدا ليس الالتزام بالقانون بالمفهوم التقليدي، بل هو نوع من العدالة «لا يتجاوز ويناقض القانون فقط، بل أيضا قد لا يحمل أي صلة به أو تكون صلته به غريبة لدرجة أن يتطلب وجود القانون بقدر ما ينبذه».

Shafi da ba'a sani ba