111

Matsaloli da Baƙi

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

Nau'ikan

24

فلومان شخصية أدبية أخرى تتحرك بين صفوف الموتى الأحياء؛ حيث يسير بلا تردد نحو مواجهته مع الموت الذي يخبئه له عنوان المسرحية - وهو جزء من القدر في حد ذاته - منذ البداية. أما ما يعجب به ميلر نفسه في بطله فهو «الحدة، الشغف الإنساني بتجاوز الحدود الموجودة، الإصرار المتشدد على دوره الذي وضعه لنفسه.» فويلي مثله مثل العديد من أبطال النظام الواقعي تطارده تفاهة الحياة اليومية ويريعه التناقض بين مطلبه السامي الذي لا يتزحزح وبين «خواء كل ما آمن به» بحسب عبارة المؤلف. ويتابع ميلر: «أرى أنه كلما قلت قدرة الإنسان على تجاهل الصراع الجوهري في الرواية اقترب من الحياة المأساوية. ومن ثم فهو يشير ضمنيا إلى أنه كلما اقترب الإنسان من المأساة زادت حدة تركز عواطفه حول النقطة الأساسية لالتزامه، وهو ما يعني أنه يقترب أكثر مما نسميه في الحياة بالتعصب.»

25

من السهل إذن أن نفهم حيرة ألفيري الحزينة بشأن عميله المقتول في مسرحية «مشهد من الجسر»، وليس أقل أسباب ذلك أن المحامي شخصية كتبها نفس القلم الذي ألف مسرحية «البوتقة». وفي ظل عصر مجرد من المثل البطولية، فإن النبل الوحيد الذي يمكن للإنسان إدراكه لا يكمن في طبيعة رغبته، بل في شدة إخلاصه لها. إلا أن هذا الإخلاص يحتمل دائما أن يكون مرضيا. إذا فنحن بصدد أخلاق شكلية خالصة، أخلاق تتمتع بلمسة من البريق ومسحة من التهور أيضا. إن مذهب لاكان الذي يقول «لا تتخل عن رغبتك» هو واحد من سلسلة من تلك المذاهب الشكلية، الذي يعتبر المذهب الوجودي القائل «تصرف بطبيعتك» أولها. يسأل لاكان: «ما الذي يجعل فيلوكتيتس بطلا؟» ويجيب: «ليس سوى بقائه مخلصا لكراهيته حتى النهاية.»

26

أما ما إذا كان إخلاص الفرد الشديد للعشق الجنسي للأطفال يعد سلوكا بطوليا من الناحية الأخلاقية فيظل مسألة غامضة. إن هذه الأخلاق الشكلية هي ما يعجب بها لاكان عند أنتيجون، وهي إذ تقف على حد من حدود النظام الرمزي بعيد لدرجة أنه يمكنها إثبات القيمة الفريدة لأخيها المقطوعة رأسه دون الإشارة إلى الجانب الأخلاقي أو الآثار الاجتماعية لأفعاله. وفي تقليد امتد من هايدجر إلى سارتر ولاكان، فإن التفرقة المهمة ليست بين الخير والشر بل بين الحقيقي وغير الحقيقي، بغض النظر عن مدى عدم دقة الصفة الأخيرة في حالة لاكان. فنحن يطلب منا الإعجاب بالشكل السامي أو الجميل للفعل أو الثناء على تطرفه الجريء، بصرف النظر عن محتواه الخطير أو المبتذل.

إلا أن الأشكال الأدبية للنظام الواقعي تميل للاختلاف قليلا في هذا الصدد عن بعض النظريات الخاصة به، فكل من لومان وكاربون يفعلان الشيء الخاطئ للسبب الصحيح؛ لكن المسرحيتين اللتين يظهران بهما بدلا من أن تؤكدا على إصرارهما الشديد على رغبتهما تضعان تلك الرغبة في مواجهة الشيء عديم القيمة الذي تتعلق به. إن عجز هاتين الشخصيتين عن الانفصال عن نفسيهما حماقة وانتصار معا، وهذه الرؤية المزدوجة جزء من ميراث ميلر الذي ورثه عن إبسن. فالذين يقتربون كثيرا من النظام الواقعي أقرب إلى الهلاك لرؤية الحقيقة؛ لكن الهلاك لرؤية الحقيقة قد يكون مع ذلك أفضل من عدم رؤيتها مطلقا. فأبطال ميلر من ناحية واقعون بين الفريقين؛ إذ يركزون على أشياء مرغوبة زائفة متعددة لكنهم ينتظرون حقيقة بشغف من هذه الأصنام المزينة. من هذا المنطلق فإن لومان - بعبارة لاكان - لم «يبلغ منتهى رغبته»، وهي نقطة - حسبما يشير لاكان - يرى الإنسان فيها أن الحياة ليست مفروشة بالورود لكنه ينتبه مع ذلك «للقيمة النسبية تماما للتعلقات أو الاهتمامات المرضية أو الأسباب النافعة.»

27

فويلي محق في طلبه التقدير لكنه مخطئ في تصوره أن أشكاله المتاحة له اجتماعيا تستحق نيلها. وكاربون مصيب في طلبه استعادة «سمعته» أو شرفه لكنه لا يدرك أنه ضاع نتيجة لأفعاله. وفي ظل مجتمع أصبحت فيه سلعة الأخلاق التقليدية أكثر تزينا، وزادت فيه حدة الخلاف بين هذا التصور للحياة السليمة أو ذاك، فقد كان من اللازم أن تتحول الأخلاق على نحو كبير لقضية تتعلق بالشكل. وأخلاق النظام الواقعي هي أحدث صور هذه الشكلية.

ويكتب لاكان في إحدى فقرات كتابه «أخلاق التحليل النفسي» عن الخيانة المرتكبة بالتخلي عن الرغبة قائلا:

Shafi da ba'a sani ba