178

Ƙananan Ganye na Zinariya da Ma'adinan Jawahir

مروج الذهب ومعادن الجوهر

وقال ابن الزبير: ليس الناس بشيء من أقس أمه م أقنع منهم بأوطانهم، وقاد بعض حكماء العرب: عمر الله البلدان بحب الأوطان، وقالت الهند: حرمة بلدك عليك كحرمة والديك؛ لأن غذاعك منهما، وغذاءهما منه، وقال آخر: أولى البلدان بصيانتك بلد رضعت ماءه، وطعمت غذاعه، وقال آخر: ميلك إلى موضع مولدك من كرم محتدك، وقال بقراط: يداوي كل عليل بعقاقير أرضه؛ فإن الطبيعة تتطلع إلى هوائها، وتنزع إلى غذائها، وقال أفلاطون: غذاء الطبيعة من أنفع أدويتها، وقال جالينوس: يتروح العليل بنسيم أرضه كما تنبت الحبة ببلل الأرض. وللنفوس في علة حنينها إلى الأوطان كلام ليس هذا موضعه، وقد ذكرناه في كتابنا المترجم بسر الحياة وفي كتاب طب النفوس.

فضل علم الأخبار

ولولا تقييد العلماء خواطرهم على الدهر لبطل أول العلم، وضاع آخره؛ إذ كان كل علم من الأخبار يستخرج وكل حكمة منها تستنبط والفقه منها يستثار والفصاحة منها تستفاد، وأصحاب القياس عليها يبنون، وأهل المقالات بها يحتجون ومعرفة الناس منها تؤخذ، وأمثال الحكماء فيها توجد، ومكأرم الأخلاق ومعاليها منها تقتبس، وآداب سياسة الملك والحزم منها تلتمس، وكل غريبة منها تعرف، وكل عجيبة منها تستطرف، وهو علم يستمتع بسماعه العالم والجاهل، ويسعذب موقعه الحمق والعاقل، ويأنس بمكانه وينزع إليه الخاصى والعامي، ويميل إلى رواياته العربي والعجمي.

فضل الكتاب

وبعد؛فإنه يوصل به كل كلام، ويتزين به في كل مقام، ويتجمل به في كل مشهد، ويحتاج إليه في كل محفل، ففضيلة علم الأخبار بينة على كل علم، وشرف منزلته صحيح في كل فهم، فلا يصبر على فهمه وتيقن ما فيه، وإيراده وإصداره إلا إنسان قد تجرد له، وفهم معناه، وذاق ثمرته، واستسفر من غرره ونال من سروره، وقد قالت الحكماء: الكتاب نعم الجليس، ونعم الذخر، إن شئت ألهتك نواد رده، وأضحكتك بوادره، وإن شئت أشجتك مواعظه، وإن شئت تعجبت من غرائب فوائدة، وهو يجمع لك الأول والأخر والغائب والحاضر والناقص والوافر والشاهد والغائب والبادي والحاضر، والشكل وخلافه، والجنس وضده، وهو ميت ينطق عن الموتى، ويترجم عن الأحياء وهو مؤنس ينشط بنشاطك، وينام بنومك، ولا ينطق معك إلا بما تهوى، ولا نعلم جارأ أبر، ولا خليطا أنصف، ولا رفيقا أطوع، ولا معلما أخضع، ولا صاحبا اظهر كفاية، وأقل خيانة، ولا أجدى نفعا، ولا أحمد أخلاقا ولا أقل خلافأ ولا أعوم سرورا ، ولا أسكت غيبة، ولا أحسن موافاة ولا أعجل مكافأة، ولا أخف مؤنه منه إن نظرت إليه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وأيد فهمك، وأكثر علمك، وتعرف منه في شهر، ما لا تأخذه من أفواه الرجال في دهر،. ويغنيك عن كد الطلب، وعن الخضوع لمن أنت أثبت منه أصلا، وأسمح فرعا، وهو المعلم الذي لا يجفوك، وإن قطعت عنه المائدة، لم يقطع عنك الفائدة، وهو الذي يطيعك بالليل طاعته لك بالنهار، ويطيعك في السفر كطاعته لك في الحضر، وقد قال الله تبارك وتعالى: " اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم،الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم " فوصف عن نفسه أنه علم بالقلم كإخباره عن نفسه بالكرم، وفي ذلك يقول بعض أهل الأدب:

لما علمت بأني لست أعجزهم ... فوتا ولا هربا قدمت أحتجب

فصرت بالبيت مسرورا به جذل ... ا حاوي البراءة لا شكوى ولا شغب

فردا يحدثني حقا و ينطق لي ... عن علم ماغاب عني منهم الكتب

المؤنسون هم اللائي عنيت بهم ... فليس لي في جليس غيرهم أرب

لله در جليسي اجليسهم ... فذا عشيرهم للسوء يرتقب

وقد كان عبد الله بن عبد - العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب لا يجالس الناس، ونزل مقبرة، وكان لا يرى إلا وفي يده كتاب يقرؤه، فسئل عن ذلك، فقال: لم أر واعظا أوعظ من قبر، ولا ممتعا أمتع من كتاب، ولا شيئا أسلم من الوحدة، فقيل له: قد جاء في الوحدة ما جاء،فقال: ما أفسدها للجاهل وقد قال بعض الشعراء فيمن يجمع الكتب ولا يعلم ما فيها:

زوامل للأسفار لا علم عندم ... بجيدها إلا كعلم الأباعر

لعمرك ما يمري البعير إذا غدا ... بأحمله أو راح ما في الغرائر

ذكر تنازع الناس في المعنى الذي من أجله سمي اليمن يمنا والعراق عراقا والشام شاما والحجاز حجازأ

Shafi 196