زين الدين عثمان بن الموفق
موفق الدين أبو محمد بن عبد الرحمن، ابن الشيخ أبي الحرم مكّي بن عثمان الشارعي الشافعي (ت ٦١٥ هـ)، وينتهي نسبه إلى سعد بن عبادة الأنصاري. ويطلق عليه أيضًا زين الدين عثمان بن الموفق، أو موفق الدين بن عثمان و.... هذا ولم نقف على ترجمة مفصلة عن حياته، في المصادر الموجودة، وقد أهملته كتب التراجم المعروفة، ولم يُذكر عنه سوى أنه فقيه، اشتغل بالوعظ، وله شعر، وكان صديقًا للحافظ المنذري.
وكان معاصرًا لأبي العباس شمس الدين بن خلكان، صاحب وفيات الأعيان، وعمر بن الفارض، وأبي القاسم الشاطبي، والقاضي الفاضل، وغيرهم من الشخصيات الفذة الذين كانوا أعلام زمانهم.
وكانت وفاة عثمان بن الموفق في الرابع والعشرين من شهر رجب سنة ٦١٥ هـ، ودفن في مقبرة بني عثمان
Shafi da ba'a sani ba
[الجزء الاول]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
€
المقدمة / 4
تقديم بقلم الدكتور/ حسن الباشا
منذ أن أسّست مدينة الفسطاط على يد عمرو بن العاص رضى الله عنه فى سنة ٢١ هـ (٦٤٢ م) صار سفح المقطم فى شرقيها مقبرة لموتى أهلها، واتسعت الفسطاط بتأسيس مدينة العسكر سنة ١٣٥ هـ (٧٥٢ م) على يد الأمير «أبى عون» والى العباسيين، ثم زاد اتساعها بتأسيس مدينة القطائع فى سنة ٢٥٦ هـ (٨٧٠ م) على يد أحمد بن طولون، واتصلت المدن الثلاث، وصار يطلق عليها جميعا مدينة الفسطاط، أو مدينة مصر، ثم أسست القاهرة فى سنة ٣٥٨ هـ (٩٦٩ م) على يد جوهر الصقلى قائد الخليفة المعز لدين الله الفاطمى. ولم يلبث أن انتشر العمران خارج القاهرة وما بينها وبين الفسطاط، وظهرت أحياء جديدة، ثم شرع صلاح الدين الأيوبى فيما بين سنتى ٥٧٢، ٥٧٩ هـ (١١٧٦- ١١٨٣ م) فى تشييد سور يضم كلّا من القاهرة والفسطاط وما حولهما من عمران، وهكذا صارت كل هذه المدن مدينة واحدة هى القاهرة التى أصبحت عاصمة مصر حتى اليوم.
وبينما كان العمران ينتشر نحو الشمال والغرب ظل سفح المقطم فى الشرق جبانة لأهل القاهرة، وكان حرص سكان القاهرة على اتخاذ سفح المقطم جبانة لهم يرجع إلى عامل روحى، بالإضافة إلى العامل الجغرافى المتمثل فى صلاحية الموقع، وطبيعة الأرض، فقد جاء فى الأثر: «أن الله ﷾ كرّم المقطم
€
المقدمة / 5
حين أطاع أمر الله، فجاد لجبل طور سيناء بكل ما كان عليه من شجر ونبات ومياه حتى صار أقرع، فأوحى إليه لأعوّضنّك عمّا كان على ظهرك ... لأجعلنّ فى سفحك غراس أهل الجنة» .
وقد ورد ذكر «غراس أهل الجنة» فيما حكاه الإمام الليث بن سعد عن وصف «المقوقس» لسفح المقطم من أنه يجد صفته فى الكتب القديمة أنه يدفن فيه «غراس أهل الجنة» . وورد تفسير «غراس أهل الجنة» فى خطاب عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص- رضى الله عنهما- حين أخبره بما ذكره المقوقس، إذ قال عمر: «أنا لا أعرف غراس الجنة إلّا للمؤمنين، فاجعلها «أى أرض سفح المقطم» مقبرة لمن مات قبلك من المسلمين» . ومنذ ذلك الحين صار سفح المقطم أرضا مسبّلة يدفن فيها موتى المسلمين.
وقد اشتمل سفح المقطم- فيما اشتمل عليه من مدافن- على كثير من قبور الأبرار من الصحابة، والتابعين، والأشراف، والأولياء، والأئمة، والفقهاء، والقرّاء، والعلماء، والزّهّاد، والقضاة، وكبار رجال الدولة؛ وهكذا صار سفح المقطم بما يحويه من قبور الأبرار مزارا ومعلما من معالم مصر الإسلامية، ومن ثمّ استرعت مزارات المقطم على طول العصور نظر العشرات من العلماء الذين ألفوا عنها، مثل: الكندى، والقضاعى، وابن يونس، والقرشى، والهروى، والمسبحى، وابن خلكان، وابن الجباس، وابن الملقن، وابن الزيات، والسخاوى، والمقريزى، وعلى مبارك، وغيرهم من العلماء، وخاصة علماء الآثار الذين عنوا بصفة خاصة بما بقى منها فى سفح المقطم، وما يليه من أراض.
ومن الكتب التى تتصدر هذه المؤلفات هذا الكتاب الذي نقدم له:
«كتاب مرشد الزوار إلى قبور الأبرار، المسمى الدر المنظم فى زيارة الجبل المقطم، لموفق الدين بن عثمان، المتوفى سنة ٦١٥ هـ» الذي يشمل فترة زمنية تمتد من فتح مصر حتى العصر الأيوبى؛ والذي استوعب ما سبقه فى هذا الموضوع من مؤلفات.
€
المقدمة / 6
يبدأ المؤلف موفق الدين بن عثمان بمقدمة يذكر فيها ما ورد عن جبل المقطم وروّاده، وفضل جبانته، والمقبور فيه من الصحابة، والمساجد المشيدة عليه وأوديته ومساجد الوادى؛ ثم يضمن مقدمته فصولا فيما ورد فى زيارة القبور من الآثار، واستماع الميت للحى إذا تولى عنه، وكراهة المشى على القبور فى النعلين، وفيما يقول الزائر إذا خرج إلى المقابر ... ثم يطنب فى ذكر آداب زيارة القبور، ويختم المقدمة بالكلام عن إكرام الله تعالى بعض أوليائه بدوام طاعته فى قبورهم، وغفرانه لآخرين بأمور لحقتهم بعد وفاتهم.
أما صلب الكتاب فيتضمن ذكرا مفصلا لما تشتمل عليه القرافة من قبور الأبرار: فيسرد أكثر من مائتى قبر، يحدد موقع كل قبر منها، ويصف ما به من نقوش، ويسجل ما كتب على الشاهد، ويصف الخط الذي كتبت به، ويورد ما جاء من وصف للقبر فيما سبقه من مؤلفات، ويقدم لذلك كله بترجمة لصاحب القبر، ووصف لخلاله ومزاياه، ويستقصى ما ورد عنه من حكايات وشعر وكرامات، وهو فى ذلك كله مؤرخ يتحرى الدقة فيما يورده من أخبار، فيناقشها، ويقارن بينها لكى يصل إلى الصحيح منها، ويؤيدها بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة، وروايات المؤرخين إن وجدت.
ومن القبور التى أطنب المؤلف فى وصفها وذكر خلال أصحابها قبور من دفن فى سفح المقطم من الصحابة، رضى الله عنهم: عمرو بن العاص، وعقبة ابن عامر، وعبد الله بن الحارث، وأبو بصرة الغفارى، ومسلمة بن مخلد الأنصارى. ومن قبور الأبرار، والصالحين قبر السيدة نفيسة بنت الحسن ابن زيد، والشريفة فاطمة، والشريف الهاشمى، وابنته السيدة زينب، والأشراف من آل طباطبا، ويحيى الشبيه، والإمام الليث بن سعد، والإمام الشافعى، وذى النون المصرى، وأبى الحسن الدينورى، وعمر بن الفارض، وعبد الله ابن لهيعة، وأبى القاسم الشاطبى، والإمام ورش المدنى.
والحق أن القارئ لهذا الكتاب يجد متعة تدفعه بشدة إلى الاستمرار فى
€
المقدمة / 7
القراءة، وهو مصدر ممتاز للدارسين على مختلف تخصصاتهم، سواء فى مجال التاريخ، أو الآثار والخطط، أو التصوف، أو الأدب، وفى علوم الدين، وكرامات الأولياء وحكاياتهم، ومكارم الأخلاق.
ولا يقف المؤلف عند ما بقى فى عصره أو عهده من قبور، بل يتطرق إلى ذكر ما اندثر من قبور الأبرار ومشاهدهم ومزاراتهم.
وإذا كان هذا الكتاب «مرشد الزوار إلى قبور الأبرار» قيما فى ذاته، فقد زاد من قدره تحقيق الأستاذ محمد فتحى أبو بكر له: إذ يعد سيادته محققا من الطراز الأول، قد أثبت جدارته من قبل فيما حققه من كتب مثل: كتاب «أدب الدنيا والدين» لأبى الحسن على بن محمد بن حبيب البصرى الماوردى (٣٦٤- ٤٥٠ هـ)، وكتاب «سراج الملوك» لأبى بكر محمد بن الوليد الفهرى الطرطوشى (٤٥١- ٥٢٠ هـ) وغيرهما. ويتضح من تحقيق الأستاذ محمد فتحى أبو بكر أنه ملمّ بعلوم اللغة، والدين، والتصوف، والتاريخ، والآثار، إلمام المتمكن الشغوف. كما يتضح من تعليقاته ما يتمتع به من صبر وجلد، وحبّ لنفع القرّاء وإفادتهم.
وأشهد أن المحقق قد كسا كتاب «مرشد الزوار إلى قبور الأبرار» بتحقيقه ثوبا قشيبا، وذلك بفضل ما أضفاه عليه، إذ أنه قد قام بنسخ الكتاب كله بيده، وضبط سياقه ونصّه، ونسّق نصّه إلى فقرات، دون الخروج على قواعد التحقيق المتبعة، وقام بالمقابلة بين نصوص مخطوطتى الكتاب، وأثبت الفروق فيما بينهما فى الحاشية، ولم يكتف بذلك، بل أكمل الكثير من النصوص التى سقطت سهوا فى إحدى المخطوطتين، معتمدا على المصادر التى استمدّ منها مؤلف الكتاب مادته، وصحح الكثير من التصحيفات والتحريفات، سواء فى النصوص، أو أسماء الأعلام، معتمدا على أمهات الكتب، كما أكمل النصوص التى يستدعى السياق إكمالها من خلال المصادر التى استقى منها المؤلف مادته، وقام بضبط الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والشعر، وبعض النصوص
€
المقدمة / 8
والكلمات والأعلام، وتخريج الآيات القرآنية، وتصويب الأحاديث النبوية التى وردت وبها خلط أو خطأ من الناسخ، وقام بتخريجها، كما ترجم لكثير من الأعلام التي لم يترجم لها المؤلف، وأشار إلى المصادر المعتمدة للأعلام التى ترجم لها المؤلف، وعنى بشرح الألفاظ الصعبة، والعبارات المبهمة، وتصويب المعلومات والتواريخ التى وردت خطأ، ومراعاة قواعد اللغة، نحوا وصرفا وإملاء، والقواعد العروضية فى الشعر، ووضع علامات الترقيم بأنواعها المختلفة، ووضع العناوين، وحذف العبارات التى كررها الناسخ سهوا. وفى كل ذلك كان المحقق ينص على ما قام به فى حاشية الكتاب، حتى لا يلتبس ذلك مع نصوص الكتاب نفسه.
ومما يدل على حب المحقق لنفع القرّاء وإفادتهم إعداده ذيلا للكتاب، وذكر فيه الأضرحة والمزارات التى ما زالت قائمة إلى الآن، والتى لم ترد فى كتاب «مرشد الزوار إلى قبور الأبرار» نظرا لأن أصحابها لم يدركهم المؤلف، كما أورد تراجم وافية لهم.
هذا وقد وضع المحقق فهارس تفصيلية للكتاب وكشافات وافية، وثبتا بمصادر ومراجع التحقيق، كما قام بعمل فهارس تفصيلية للذيل الذي قام بإعداده على مثال فهارس الكتاب. هذا بالإضافة إلى الصور الإيضاحية للمشاهد والأضرحة الواردة فى الكتاب والذيل.
ولا شك أن الدار المصرية اللبنانية التى قامت بنشر الكتاب قد فطنت إلى قيمة الكتاب وتحقيقه، فعنيت بنشره وإخراجه هنا الإخراج الجميل الذي تشكر عليه.
د. حسن الباشا
€
المقدمة / 9
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقق
الحمد لله فاتحة كل خير، وتمام كل نعمة، فتح لأوليائه باب محبته، ومنّ على قلوب أهل صفوته بالعلم والمعرفة، وأمد عقولهم بنوره، فعاينت عجائب قدرته، وحرس قلوبهم من الأغيار، ومحا منها صور الآثار حتى ظفرت بمعرفته، وكشف لأرواحهم عن قدس كماله، ونعوت جلاله، فهم سبايا حضرته، متّع أسرارهم بقربه بخطفات جذبه، فتحققوا بشهود أحديته، فأخذهم منهم، وأفناهم عنهم، فغرقوا فى بحور هويته، وفى ملكوت حكمته وقدرته، ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، سيد الأنبياء، والمبعوث رحمة للعالمين، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
تنويه:
يعدّ علم حكايات الصالحين فرعا من فروع علم التواريخ والمحاضرة، وقد اعتنى بأحوال الصالحين والأبرار طائفة من العلماء والمؤرخين، وأفردوها بالتدوين، وبينوا فائدة هذا العلم، وعدّوا منفعته من أجلّ المنافع وأعظمها.
وقد ألّف فى هذا العلم وفى المزارات كثير من العلماء «١»، وقد أحسن
المقدمة / 11
كلّ منهم فيما ألّف وجمع، فمنهم من اقتصر على ذكر الصحابة والقرابة والتابعين، ومنهم من اعتنى بذكر الشهداء والمجاهدين فى سبيل الله، ومنهم من ذكر العلماء والفقهاء، ومنهم من ذكر الحفّاظ المحدّثين ومشايخ القرّاء، ومنهم من ذكر بعض القضاة، ومنهم من ذكر الخطباء والمتصدرين، ومنهم من ذكر الفصحاء وأصحاب المعروف من الوزراء والكتّاب وذوى الأموال، ومنهم من اختص بذكر المزارات ومعرفة الآثار، ومنهم من ذكر فضل زيارة القبور.
ومنهم من ذكر للزيارة آدابا وشروطا، ومنهم من ذكر الأولياء، وجعلهم فى طبقات عشر، ومنهم من ذكر بعض فضائل مصر ونيلها وأهلها، ومنهم من ذكر فضل المقطم، ومنهم من جعل القرافة جهتين فى جزأين: جهة كبرى وجهة صغرى «١» .
وكتاب «مرشد الزوار إلى قبور الأبرار» هذا من كتب المزارات التى حوت وجمعت أكثر هذه المقاصد المتقدمة، فقد ذكر فيه مؤلفه- ابن عثمان- فضل الجبل المقطم وأوديته، ومساجده التى كانت به، وقبور الصحابة، والأشراف من آل البيت، وذكر قبور الأولياء، والزهاد، والصالحين التى فى سفحه، كما ذكر أيضا قبور العلماء، والفقهاء، والحفّاظ، والقرّاء، والقضاة، ومن على شاكلتهم من أهل الفضل والمروءة والإحسان. كما ذكر بعض فضائلهم وكراماتهم التى تشوق القلوب إلى زيارتهم.
المقدمة / 12
مكانة الجبل المقطم:
لقد شرّف الله جبل المقطم بأن جعل غراسه أهل الجنة.
حكى الإمام الليث بن سعد، أن المقوقس سأل عمرو بن العاص رضى الله عنه أن يبيعه سفح جبل المقطم بسبعين ألف دينار، فكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فرد عليه عمر قائلا: سله لماذا أعطاك ما أعطاك فيه وهو لا يزرع ولا يستنبط منه ماء؟ فسأل عمرو بن العاص المقوقس عن ذلك، فقال: إنّا نجد صفته فى الكتب القديمة أنه يدفن فيه غراس الجنة.
فكتب بذلك عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنين، فردّ عليه قائلا: أنا لا أعرف غراس الجنة إلّا للمؤمنين، فاجعلها مقبرة لمن مات قبلك من المسلمين ولا تبعه بشىء. فمنذ ذلك الحين صار أرضا مسبّلة يدفن فيها موتى المسلمين إلى الآن.
لجوء الزهاد والمتصوفين إليه:
وكان طبيعيا أن يلجأ الزهاد والمتصوفون إلى جبل المقطم يتخذون من سفحه مقاما، ومن أوديته مناما، بعد أن عرفوا تقديس الديانات السماوية السابقة على الإسلام له، وتكريم المسلمين أيضا.
فقد جاء فى الآثار القديمة أن جبل المقطم كان أكثر الجبال أنهارا وأشجارا ونباتا، فلما كانت الليلة التى كلّم الله فيها موسى ﵇، أوحى إلى الجبال:
أنّى مكلّم نبيّا من أنبيائى على جبل منكم.. فتطاول كل جبل وتشامخ، إلّا جبل طور سيناء، فإنه تواضع وتصاغر، فأوحى الله ﷾ إليه: لم فعلت ذلك- وهو به أعلم- قال: إجلالا لك يا رب! فأوحى الله تعالى إلى الجبال أن يجود كل جبل بشىء ممّا عليه، فجاد كل جبل بشىء مما عليه، إلا المقطم، فإنه جاد له بجميع ما كان عليه من الشجر والنبات والمياه، فصار كما ترون أقرع. قال: فلما علم الله ﷾ ذلك عنه، أوحى إليه:
لأعوّضنّك عمّا كان على ظهرك.. لأجعلنّ فى سفحك غراس أهل الجنّة.
المقدمة / 13
من دفن فيه من الصحابة وآل البيت وغيرهم:
وقد دفن بهذه البقعة المباركة من الصحابة: عمرو بن العاص فاتح مصر، وعقبة بن عامر، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدى، وأبو بصرة الغفارى، ومسلمة بن مخلد الأنصارى «١» وغيرهم.
ومن الأشراف: السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد (رضى الله عنها)، والشريفة فاطمة، والشريف الهاشمى، وابنته السيدة زينب، والأشراف من آل طباطبا، والشريف حيدرة، ويحيى الشّبيه بن القاسم الطيب، وأخوه عبد الله، وزوجة القاسم الطيب أم يحيى الشبيه، وكانت من الزاهدات العابدات، وهى من الأشراف أيضا، وغير ذلك مما سيقف عليه القارئ فى هذا الكتاب.
ومن الأئمة والفقهاء: الإمام الليث بن سعد، والإمام الشافعى، وعبد الله بن الحكم، والمزنّى، وأشهب، وعبد الرحمن بن القاسم، وأبو يعقوب البويطى، وعبد الله بن وهب، والطحاوى، وغيرهم.
ومن الزهاد والصوفية: ذو النون المصرى، ودينار العابد، ومحمد بن جابار الزاهد، وأبو الخير الأقطع التّيناتي، وأبو على الرّوذبارىّ، وبنان الواسطى، وابن عطاء الله السكندرى، وعمر بن الفارض، وغيرهم كثير.
€
المقدمة / 14
ومن القضاة: القاضى بكّار بن قتيبة، وعبد الله بن لهيعة، وابن دقيق العيد، وغيرهم.
ومن القرّاء: أبو القاسم (الشّاطبى)، والإمام ورش المدنى، وغيرهما.
وأكتفى بذكر هؤلاء الأعلام- إذ أنهم من الكثرة بحيث يصعب حصرهم فى هذا الموضع من المقدمة- كمثال لبعض من دفنوا بهذه البقعة الطيبة.
أهمية هذا الكتاب:
وكتاب «مرشد الزوار» يعدّ من المصادر المهمة التى تناولت المزارات إلى نهاية القرن السادس الهجرى تقريبا، وهو من الكتب القديمة التى تسجل جانبا كبيرا من آثار القرافتين الصغرى والكبرى فى تلك الفترة، وما قبلها، لذا فهو يمثل أهمية كبيرة للباحثين المهتمين بآثار هاتين القرافتين من الناحية التاريخية والمعمارية التى تتمثل فى المشاهد والأضرحة والقبور التى اندثرت، والتى لا تزال قائمة حتى الآن.
وقد حدد ابن عثمان فى كتابه هذا مواقع أضرحة الصحابة والأشراف والعلماء والفقهاء والزهاد والصوفية وغيرهم من أعلام زمانهم بطريقة وصفيّة، تقوم على ذكر الاتجاه الذي يسير فيه الزائر شرقا أو غربا أو شمالا أو جنوبا، أو على تحديد مقدار الخطوات التى يخطوها الزائر بالتقريب، حتى يصل إلى القبر أو المشهد المزور، أى أن وحدة القياس الغالبة فى وصفه هى الاتجاه، أو الخطوة، وأحيانا يقول لك: «ثم تسير قليلا» . أو: «ثم تمشى بضع خطوات نحو كذا» إلخ.
وقد سجل لنا هذا الكتاب الكثير مما كتب على شواهد تلك القبور، فمثلا يقول: كتب على قبر أحمد بن طولون كذا، ووجد على قبر فلان كذا، ووجد مكتوبا على قبر بخط النسخ كذا، ورأيت على ضريح فلان كذا، ووجد على قبر فقيه كذا.. إلخ.
وسجل أيضا كثيرا من أقوال وأشعار العلماء والصالحين التى قالوها عند
€
المقدمة / 15
وفاة عزيز لديهم، فيورد أشعارا لعلّى بن أبى طالب رضى الله عنه، بعد أن قام بدفن فاطمة، وأورد شعرا لعبد العزيز الدّرينىّ قاله على قبر ابنته حين دفنها، وإبراهيم الخوّاص، وسمنون المحبّ وكثيرين غيرهم.
وقد سجل المؤلف كثيرا من المشاهد والمزارات التى اندثرت واختفت رسومها ومعالمها ولم يعد لها وجود الآن، وقد قدّم لنا ابن عثمان تراجم وافية لأصحاب هذه المزارات، وذكر جوانب كثيرة عنهم لم ترد فى كثير من المصادر التى تترجم للأعلام، هذا بالإضافة إلى تعاليمهم، ومكانتهم العلمية، ومأثورات أقوالهم، وسلوكيّاتهم، وكراماتهم، وغير ذلك.
كما ذكر ابن عثمان فى كتابه «ما ورد فى زيارة القبور والآثار»، وعلّم الزائر ما يقوله إذا خرج للمقابر. وعقد فصلا كاملا عن آداب الزيارة. ذكر فيه عشرين وظيفة أو صفة أو خلقا يجب على الزائر اتباعها والعمل بها، وهذا فى ذاته من الأشياء المهمة التى يجب على الزائر المسلم الإلمام بها ومعرفتها والتحلى بآدابها.
كما أن هذا الكتاب يحبّب المسلم فى زيارة قبور وأضرحة الأولياء والصّالحين، ويذكر له ما يجب أن يلتزم به نحوهم من الآداب المذكورة آنفا عند زيارتهم، مستنكرا ما يقوم به الجهّال والمتنطّعون من العوام عند زيارة هذه القبور، من تقبيل الأضرحة، أو مسّ الضريح باليدين ثم مسحهم على الوجوه، ونحو ذلك من الأفعال، ذاكرا أن ذلك من عادة النصارى، ومن الأفعال غير اللّائقة، ولم ينقل عن أحد من المسلمين. ويذكر ابن عثمان أنّ على الزائر حينما ينوى زيارة هؤلاء الصالحين عليه أن يخلص النيه لله، ويقصد بزيارته وجه الله وحده، ليصلح فساد قلبه، ويجتنب المشى بين القبور، والجلوس عليها، وأن يأتى الزائر من تلقاء وجه الميت، كما لو كان يخاطبه وهو حىّ، ويسلم عليه كما يسلم على الأحياء، ويتلو عنده ما تيسر من القرآن، ويدعو له، ولنفسه، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات.. وغير ذلك من الآداب المحمودة
المقدمة / 16
التى أمرنا بها ديننا الإسلامى الحنيف. فالقصد من الزيارة العظة والاعتبار، والتذكير بالآخرة، والتقرب إلى الله، والاقتداء بهؤلاء الصالحين الذين أفاض الله عليهم من فضله، وجزاهم أحسن الجزاء على طاعتهم، وأكرم مثواهم، فعلى الزائر أن يترسم خطاهم، ويقتدى بهم فى حياته، لعلّه يصل إلى ما وصلوا إليه، أو ينال ما نالوه من منزلة كريمة عند بارئهم.
مآخذ ابن الزيات على هذا الكتاب:
وقد ألّف ابن الزيات كتابه «الكواكب السيارة فى ترتيب الزيارة» على منوال «مرشد الزوار»، وأخذ الكثير من مادته من ابن عثمان، وأشار إلى ذلك فى كثير من مواضع كتابه إليه. وقد أخذ على ابن عثمان فى كتابه قوله عن (شكر الأبله) أنه «كان من عقلاء المجانين» فقال ابن الزيات: «وهذا غلط، لأن الأولياء لا تنسب إلى الجنون، وإنما الغالب عليه الوله والجذب.. «١»» إلخ.
وأيضا أخذ عليه قوله عن تربة مخروقة بغير سقف: «قال ابن عثمان هو قبر عبد الله بن الزبير، وفى نسخة أخرى له أنه محمد بن أحمد ابن أخت الزبير ابن العوام.
وهذا خلاف الصحيح، لما رواه مسلم والبخارى، أنّ عبد الله بن الزبير قتله الحجّاج وصلبه بمكة فى قصة طويلة، وإن قيل إنه عروة بن الزبير، فلا يصح أيضا، ووفاة أولاد الزبير معروفة بغير مصر- وهذا القبر يزار بحسن النيّة، ولا أدرى كيف وقع للشيخ موفق الدين مثل هذا الغلط» «٢» .
مؤلف الكتاب ونسبه «٣»:
أما عن مؤلف كتاب «مرشد الزوار» فهو الشيخ الفقيه، والإمام العالم،
€
المقدمة / 17
العارف بالله موفق الدين أبو محمد بن عبد الرحمن، ابن الشيخ الفقيه أبى الحرم مكّى بن عثمان الشارعى الشافعى، وينتهى نسبه إلى سعد بن عبادة الأنصارى «١» . ويطلق عليه أيضا زين الدين عثمان بن الموفق، أو موفق الدين ابن عثمان، أو عبد الرحمن الملقب بالموفق، أو ابن عثمان، وكل هذا وارد فى ترجمته. هذا ولم أقف على ترجمة مفصلة عن حياته، فى المصادر التى تحت يدى، وقد أهملته كتب التراجم المعروفة، ولم يذكر عنه سوى أنه فقيه، اشتغل بالوعظ، وله شعر، وكان صديقا للحافظ المنذرى.
وكان معاصرا لأبى العباس شمس الدين بن خلكان، صاحب وفيات الأعيان، وعمر بن الفارض، وأبى القاسم الشاطبى، والقاضى الفاضل، وغيرهم من الشخصيات الفذة الذين كانوا أعلام زمانهم، وكان لهم صفحات مشرقة، ونفحات صادقة من الناحية الروحية والعلمية.
وكانت وفاة عثمان بن الموفق فى الرابع والعشرين من شهر رجب سنة ٦١٥ هـ، ودفن بحوش بنى عثمان مع جماعة من العلماء، ذكر ذلك ابن الزيات فى الكواكب السيارة وقال: حوش بنى عثمان عليه هيبة وجلالة، والدعاء به مستجاب.
وحكى ابن الجبّاس أن النيل توقف فى بعض السنين، قال: فحملت على قلبى همّا عظيما، وضاق صدرى ممّا نزل بالناس، فنمت، فرأيت إنسانا لم أعرفه، فقلت له: والله ما الناس إلّا فى شدة من توقّف النيل، فقال لى عليك بتربة بنى عثمان فادع الله عندهم يفرّج الله تعالى عن الناس.
€
المقدمة / 18
قال الشيخ شرف الدين بن الجباس: فلما كانت ليلة الجمعة أخبرت الناس بذلك، وخرجنا ومعنا جمع من الرجال والصبيان والنساء، فدعونا الله تعالى وتضرعنا إليه عند قبورهم- أى قبور بنى عثمان- فأصبح النيل وقد زاد زيادة جيدة، ولطف الله بالناس فى بقية تلك السنة.
وبتربة بنى عثمان هذه الفقيه الإمام أبو الحرم مكى- والد صاحب مرشد الزوار- وكان يلقّب بالشافعى الصغير، وإلى جانبه قبر ولده عبد الرحمن الملقب بالموفق، وله كرامات ومصنفات. وقد ورد فى كتابه- مرشد الزوار- كتاب له يسمى «غاية المدرسين بالمشارق والمغارب فى الأربعة مذاهب» . وإلى جانبه قبر أخيه الفقيه الإمام العالم أبى القاسم عبد المنعم، ويقال: أبو البركات.
من هذا يتضح أن مؤلفنا من أسرة معروفة، ولها باع كبير فى العلم، رضى الله عنهم أجمعين.
نسبة الكتاب إلى صاحبه:
أشار ابن الزيات إلى كتاب «مرشد الزوار» وإلى صاحبه موفق الدين ابن عثمان فى مواضع كثيرة من كتابه «الكواكب السيارة»، فعلى سبيل المثال قال ابن الزيات فى كتابه عند الحديث عن الإمام أبى الطيب خروف: «قال ابن عثمان فى مرشد الزوار: سمّى بأبى الطّيّب لطيب أعماله..» ونقل ما قاله ابن عثمان عن هذا العالم «١» .
وأشار إليه ابن تغرى بردى فى «النجوم الزاهرة» عند حديثه عن قبر عقبة بن عامر قائلا «... وقال الشيخ الموفق بن عثمان فى تاريخه المرشد، ناقلا عن حرملة- من أصحاب الشافعى-: إن البقعة التى دفن فيها عقبة، بها قبر عمرو بن العاص ...» «٢» .
€
المقدمة / 19
وأشار إليه أيضا تقي الدين أحمد بن على المقريزى فى كتابه «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، المعروف بالخطط المقريزية» عند حديثه على قبر الإمام الليث بن سعد، ونسبه إلى صاحبه قائلا: «.. وفى كتاب مرشد الزوار للموفق بن عثمان..» إلخ.
بل أشار ابن عثمان فى كتابه «مرشد الزوار» إلى نفسه عند الحديث عن قبر فاطمة بنت جعفر الصادق، قال: «حكى ابن عثمان صاحب هذا الكتاب عن المسكى: أنها كانت متزوجة برجل من آل بيت النبوة..» إلخ.
هذا وهناك إشارات أخرى تثبت نسبة هذا الكتاب إلى صاحبه، لا حاجة بنا إلى ذكرها، فما ذكرناه هنا فيه الكفاية.
مخطوطات الكتاب:
توجد لهذا الكتاب صورتان بالفوتستات لمخطوطتين مختلفتين، - إحداهما بالمتحف البريطانى بلندن، والأخرى بمكتبة أياصوفيا بتركيا- بمكتبة الجامعة المصرية (جامعة القاهرة) .
الأولى: تحت رقم ٢٦٤٢٩ (تاريخ/ ٥١٢٩) وهى عبارة عن صورة بالفوتستات مأخوذة عن النسخة الأصلية فى المتحف البريطانى بلندن، تحت رقم OR/٤٦٣٥ وتقع فى ٢٣٩ قطعة فى مجلدين:
الأول يبدأ من ق ١- ١٧٢.
والثانى من ق ١٧٣- ٢٣٩.
وكل قطعة صفحتان، وكل صفحة تشتمل على ٢٣ سطرا، وعدد الكلمات فى السطر الواحد ما بين ٦ إلى ١١ كلمة تقريبا، ما عدا أسطر العناوين، والشعر، وخاتمة كل فصل، فهى تقل عن ذلك حتى تصل إلى كلمة واحدة فقط، أو كلمتين اثنتين. وقد تم نسخها سنة ١٠١٥ هـ، ولم يرد فيها اسم الناسخ.
€
المقدمة / 20
والثانية: تحت رقم ٢٦٤٢٣، وهى أيضا صورة بالفوتستات مأخوذة عن النسخة الأصلية، بمكتبة آيا صوفيا بتركيا، تحت رقم ٢٠٦٤، وعدد أوراقها ٢٢٧ قطعة، وكل قطعة صفحتان، والصفحة مسطرتها ١٥ سطرا، وعدد الكلمات فى السطر الواحد ما بين ٦- ٨ كلمات تقريبا، ما عدا أسطر العناوين والشعر، وقد تم نسخها فى سنة ٨٤٩ هـ وورد فى آخرها اسم ناسخها أحمد ابن محمد بن عثمان.
وبدار الكتب المصرية صورة بالفوتستات تحت رقم (٥١٢٩ تاريخ) وهى صورة طبق الأصل من المخطوطة الأولى الموجودة فى المتحف البريطانى، والمشار إليها آنفا، وهى على «ميكروفيلم» يحمل رقم (٤٧٩٢٢) .
وبدار الكتب المصرية أيضا صورة رابعة بالفوتستات تحمل عنوان «مرشد الزوار إلى قبور الأخيار» وهى صورة غير مكتملة من مخطوطة المتحف البريطانى أيضا، تحت رقم (١٤٠٨/تصوف) وتقع فى ١٣٣ قطعة على ميكروفيلم يحمل رقم (٣٣٤٩٨) .
وبها أيضا نسخة خامسة ليست لابن عثمان، وإن كانت تحمل نفس العنوان «مرشد الزوار إلى قبور الأبرار» تحت رقم (٣٢٥/تاريخ) على ميكروفيلم يحمل رقم (٣٦٠٢٨) نسخت سنة ١٠٦٣ هـ، وتقع فى ١٣٦ قطعة، وتختلف فى محتواها عن المخطوطات السابقة، وبآخرها- بعد البسملة والصلاة على النبي- «طلب العبد الفقير المتحبّب إلى الخيرات الشيخ سليمان بن الحاج سالم بالزيارة بالقرافات من العبد الفقير خير الله ... وأجازه بذلك رغبة فى المثوبة فيها، فلم يعارض، لأنه صحبه فى الزيارة، وأنه الآن رغبة منه ...» إلخ. وذكر فى آخرها تاريخ نسخها (ربيع الأول سنة ١٠٦٣ هـ) .
وصف نسختى التحقيق:
قمت بتحقيق هذا الكتاب على المخطوطتين الآتيتين:
المخطوطة الأولى:
وهى النسخة المودعة بمكتبة جامعة القاهرة تحت رقم ٢٦٤٢٩ (تاريخ/ ٥١٢٩) والمصورة بالفوتستات عن المخطوطة المودعة بالمتحف البريطانى بلندن
€
المقدمة / 21
تحت رقم ٤٦٣٥، وهى تقع فى ٢٣٩ ورقة، وكل ورقة بها صفحتان، وكل صفحة تشتمل على ٢٣ سطرا، وعدد الكلمات فى السطر الواحد ما بين ٦- ١١ كلمة تقريبا ما عدا أسطر العناوين والشعر كما ذكرنا آنفا.
وهى منسوخة فى سنة ١٠١٥ هـ، أى فى بداية القرن الحادى عشر الهجرى. والصفحة الأولى من هذه المخطوطة تحمل عنوان الكتاب، ومؤلفه، هكذا: «كتاب مرشد الزوار إلى قبور الأبرار، تأليف العلّامة الرّحّالة الهمام زين الدين عثمان بن الموفق، عمّت بركاته، ودام النفع» .
وهذا العنوان جاء على هيئة مثلث. وآخر صفحة منها تنتهى أيضا بقوله:
«وهذا ما انتهى إلينا من كتاب مرشد الزوار، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، تم. «وهى- أى الخاتمة- على هيئة مثلث أيضا، وأغفل اسم ناسخه.
مميزات هذه المخطوطة وعيوبها:
ومن مميزات هذه المخطوطة أنها جاءت تامة كاملة، وبخط واضح مقروء، غير أنها أغفلت علامات الترقيم تماما، وجاءت خالية من الضبط، وبها الكثير من التحريفات فى أسماء الأعلام والنصوص، ولم تخل من بعض الاضطراب فى السياق والسقط فى كثير من المواضع، وقد يكرر الناسخ بعض العبارات سهوا منه، ولم يهتم بقواعد اللغة والنحو والعروض، وغير ذلك مما سيتضح عند ذكر منهج التحقيق.
والمؤلف يسهّل الهمزة فى جميع المخطوطة، ويتبع قواعد الإملاء القديمة فى رسم الكلمات، فمثلا يرسم: سفيان، وعثمان، والقاسم هكذا: سفين، عثمن، القسم، وأحيانا يضع الناسخ ألفا صغيرة تدل على الألف المحذوفة، وقد يأتى بالشّعر متداخلا مع النثر فى بعض المواضع وكأنه منه.
وهذه المخطوطة بها بعض إضافات كتبت بعد وفاة المؤلف، مثل ما كتب عن القاضى سرىّ الدين أبى الوليد المالكى، المتوفى سنة ٧٧١ هـ والفقيه الزاهد أبى الفدا رشيد الدين الدمشقى المولود سنة ٦٢٣ هـ، والمتوفى سنة ٧١٣ هـ، وغيرهما من الشخصيات التى لم يدرك وفاتها الموفق بن عثمان، مؤلف «مرشد
€
المقدمة / 22
الزوار، حيث إنه توفى سنة ٦١٥ هـ كما أشرنا إلى ذلك فى هذه المقدمة.. وقد أشرنا إلى تلك الإضافات فى موضعها من هذا الكتاب.
كما يكتب أحيانا الكلمة على سطرين، جزء منها فى نهاية السطر وبقيتها فى أول السطر الذي يليه، مثل كلمة «هؤلاء»، «تأتى» «ها» فى آخر السطر، و«ولاء» «هكذا بدون همز، فى السطر الذي يليه، ومثل كلمة «الهمدانى» نسبة إلى همدان، جاءت «الهمد» فى نهاية السطر، و«انى» فى أول السطر الذي يليه، وهكذا.
ويضع الناسخ دائما ألفا بعد واو الفعل زيادة من عنده مثل «أنجوا» و«أدعوا» و«أهفوا» وهذا من الأخطاء الإملائية المنتشرة فى المخطوطة كلها، فليست الواو هنا واو الجماعة.
وفى بعض المواضع يخلط الناسخ فى كتابته ويأتى ببعض العبارات ركيكة المعنى نتيجة سقوط بعض الألفاظ، أو غير ذلك، مثل: «... ذكر عندى مالك ابن أنس وابن القاسم فقال ابن وهب عالم وعبد الرحمن فقيه ...» هكذا.
وصواب العبارة: «ذكر ابن وهب عند مالك بن أنس، وابن القاسم، فقال: ابن وهب عالم، وعبد الرحمن فقيه» إلخ، وعبد الرحمن هذا هو ابن القاسم.
المخطوطة الثانية:
وهى النسخة المودعة بجامعة القاهرة تحت رقم ٢٦٤٢٣ والمصورة بالفوتستات عن المخطوطة الموجودة بمكتبة أياصوفيا بتركيا تحت رقم ٢٠٦٤، وعدد أوراقها ٢٢٧ ورقة، وكل ورقة صفحتان، والصفحة تشتمل على ١٥ سطرا، وعدد الكلمات فى كل سطر ما بين ٦- ٨ كلمات تقريبا، ما عدا أسطر العناوين ونهاية الفصول.
والصفحة الأولى منها تحمل عنوان الكتاب، واسم مؤلفه بصورة أتم وأشمل مما على المخطوطة الأولى، فقد جاء العنوان هكذا:
«كتاب مرشد الزوار إلى قبور الأبرار، تأليف الشيخ الفقيه الإمام العالم العامل العارف موفق الدين أبى محمد عبد الرحمن بن الشيخ الفقيه أبى الحرم مكى ابن عثمان الشارعى الشافعى، قدّس الله روحه، ونور ضريحه» .
€
المقدمة / 23