ومنها أنه لم يذكر أحد عن نفسه أنه أكمله في حياة النبي ﷺ، سوى هؤلاء الأربعة؛ لأن من أكمله سواهم كان يتوقع نزول القرآن ما دام النبي ﷺ حيًّا، فقد لا يستجيز النطق بأنه أكمله، واستجازه هؤلاء، ومرادهم أنهم أكملوا الحاصل منه.
ويحتمل أيضا أن يكون من سواهم لم ينطق بإكماله خوفا من المراءة به، واحتياطا [١٣ ظ] على النيات كما يفعل الصالحون في كثير من العبادة، وأظهر هؤلاء الأربعة ذلك؛ لأنهم أمنوا على أنفسهم، أو لرأي اقتضى ذلك عندهم.
قال المازري (١): وكيف يعرف النقلة أنه لم يكمله سوى أربعة، وكيف تتصور الإحاطة بهذا، وأصحاب رسول الله ﷺ متفرقون في البلاد؟ وهذا لا يتصور، حتى يلقى الناقل كل رجل منهم فيخبره عن نفسه أنه لم يكمل القرآن. وهذا بعيد تصوره في العادة (٢) .
وإن لم يكمل القرآن سوى أربعة، فقد حفظ جميع أجزائه مئون لا يحصون، وما من شرط كونه متواترًا أن يحفظ الكل الكل، بل الشيء الكثير إذا روى كل جزء منه خلق كثير علم ضرورة وحصل متواترًا (٣) .
قلت: وقد سمى الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام أهل القرآن من الصحابة في أول "كتاب القراءات" له، فذكر من المهاجرين أبا بكر وعمر وعثمان
_________
(١) هو محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي، أبو عبد الله المازري، الفقيه المالكي، صاحب شرح صحيح مسلم المسمى بالمعلم، وله في الأدب كتب متعددة، توفي سنة ٥٣٦هـ "وفيات الأعيان ١/ ٦١٥".
(٢) المعلم ٢/ ١٤٧ظ.
(٣) نفس المصدر ٢/ ١٤٦ ظ.
1 / 40