وأخيرا قال: «أعتقد أن ما كان في بالي هو هذا: كنت سأسألك إن كنت ستطيقين أن تنظري نظرة متفحصة نحو جرح قائم على يسار صدري، وبعد ذلك سأطبق برنامج عمل وضعته لنفسي لمدة شهر مثلا، ثم سأسألك أن تلقي نظرة مرة أخرى وتلاحظي ما إن كان قد حدث أي تحسن. إذ إنني مصاب بجرح إثر شظية ولا بد أنها كانت شظية خبيثة للغاية. إذ كانت تحمل سما لعينا من نوع ما، أعيا أفضل الأطباء في مستشفيات القاعدة، فأرسلوني إلى لندن ثم إلى هذا البلد وبعيدا إلى الجهة الأخرى من القارة. ظللت طوال عام أعالج بالماء الساخن وأجادل مع الممرضات والأطباء وأصبحت أسوأ حالا عما كنت عليه حين بدأت علاجهم. وسوف أخبرك بسر صغير، بيني وبينك فقط. لقد كانوا ينوون إيداعي في مكان مخصص لمرضى السل، بينما هم يعلمون ويعترفون أنني لم أصب بعد بالسل، لكنني لم أقبل. فنهضت وغادرت المكان، وابتعدت حتى وصلت هنا. ومنذ اللحظة التي بدأت فيها السير، وقبلها بكثير، حين كانت تغمرني مياه النبع الساخنة المشبعة بالكيماويات المتأججة، وأنا يخالجني شعور لا أقوى على مقاومته بأنها تغذي الجراثيم وتجعلها تتكاثر أكثر. ظللت طوال ستة شهور أستيقظ ليلا وأنا أفكر في البحر، وحين قررت المغادرة، اتجهت إلى موقع أكثر برودة وإلى المحيط. وها أنا هنا الآن وقد عقدت العزم على أن أخوض التجربة. أريد أن أستعرض معك قائمة طعام، أريد أن تطهي لي طعاما سهلا وبسيطا ومغذيا، شيئا غنيا بالحديد، شيئا لديه القدرة على التطهير وتنقية دم مشبع بالسم.
وحين أنتهي من أعمالي الصباحية مع النحل سأرتدي ثوب السباحة الموجود عند الباب الخلفي، وسوف أسير عبر الممشى الخلفي وأعتصر ملء كوب من بضع ثمار تلك الطماطم الحمراء الكبيرة وأشربه، ثم أمضي نازلا إلى البحر وأتوغل حتى تقترب المياه لأقصى حد من حافة تلك الضمادات. وإن كنت لست واثقا تماما من أنني لن أسقط. بعد ذلك سأخرج وأستلقي على أسخن رمال في أسخن بقعة من أثر حرارة الشمس أستطيع العثور عليها، وسأغطي الأجزاء العارية إلى أن أكتسب الخشونة المناسبة حتى لا يتقرح جلدي. سأترك الشمس تجفف الماء المالح على جسدي. ولن أشطفه. وعندئذ سأصعد وأتناول أيا ما كان الذي ستعدينه لي حسب الوصفات التي سنتفق عليها كي تعمل على بناء جسد قوي. بعدها سأخلد لقيلولة. ثم أستيقظ وأحتسي عصير برتقال. بعد ذلك سأخرج إلى الحديقة وأرى ما يمكنني فعله للزهور. فهناك بعض الأوراق الميتة في الزنابق يجب نزعها وأخرى بحاجة إلى دعمها. بإمكاني أن أقص قرون البذور من الورود التي تفتحت للمساعدة في الحفاظ على استمرارها. بإمكاني أن أجد مئات الأشياء لأفعلها. بعد ذلك سنعد عشاء يتمتع على الأقل بخاصية ما يمكن أن نقول إنه خطوة في طريق صنع رجل بحق من عظام ناخرة للغاية وعضلات بالغة الترهل. وسوف أسير إلى مكان على الشاطئ أسميه العرش وسأجلس هناك، ومتلحفا تماما بالرداء المنزلي الخفيف لسيد النحل فوقه معطف العمل الخارجي القديم حتى لا أشعر بالبرد مطلقا، سأظل أستنشق الضباب والرذاذ والماء المالح حتى أشعر بمذاق الملح في فمي. سأضطجع هناك وأستغرق في النوم إذا رغبت.»
هنا مدت مارجريت كاميرون يدها نحوه.
وقالت: «فلتصغ إلي، يا جيمي، لا بأس بكل ما سبق، لكن من الأفضل أن تصرف النظر تماما عن ذلك. يجدر بك ألا تحاول النوم في الخارج وسط الضباب والرذاذ. ربما لا بأس بالخروج واستنشاقه لمدة ساعة، لكن لا تذهب للنوم فتهبط دورتك الدموية ويستقر الضباب فوقك وتبتل حتى يصل البرد إلى عظامك . إنها فكرة خاطئة. فلتغير ذلك الجزء من برنامجك، وأما بالنسبة إلى الباقي، فسوف أجتهد في التفكير طوال اليوم، وتجتهد أنت في التفكير، ونتناقش هذا المساء لنرى إن كنا سنستطيع تحضير قائمة الطعام التي تريد اتباعها. فلتحاول بكل قوتك وسأحاول أنا بكل قوتي وسنرى ما نستطيع عمله، ولندع الله أن يسخر لنا قوى الطبيعة، حتى تستعيد عافيتك. أما الآن، فلنلق نظرة على جنبك المصاب.»
هنا تمدد جيمي على الفراش وكشف عن صدره. فشعرت مارجريت كاميرون، وقد انحنت فوقه، بالدماء تنسحب بطيئا من وجهها.
ثم قالت بعد مدة: «ويحي، يا له من جرح ملتهب!» ثم أضافت: «يبدو اللحم كأنه احترق. إنه جرح ملتهب للغاية حتى إنه يكاد يماثل ما اعتدنا أن ندعوه «لحم متقيح». وإنه عميق وواسع.»
ظلت برهة واقفة تحدق. ثم حولت عينيها إلى عيني جيمي.
وسألته: «هل لديك استعداد لاتباع نظام غذائي صارم وبذل جهد شاق؟»
قال جيمي: «إذا كان قصدك هل لدي الشجاعة، أجل.» وتابع: «وإذا كنت تقصدين هل لدي القوة أو هل لدي فرصة، فلا أعلم. كل ما أعلمه أنني سأنزل المحيط. كل ما أعلمه أنني سأستلقي في أشعة الشمس حتى أتشبع منها. كل ما أعلمه أنني سأصبح نكبة على رقعة الأرض المزروعة بالطماطم. أما سبب رغبتي في هذه الأشياء فلا أعلمه. إلا أنني متلهف عليها كلها، وحيث إنها هنا، فلم لا أحصل عليها؟»
سألته مارجريت كاميرون: «من أين جاءتك فكرة الطماطم هذه؟» «أكلت واحدة أمس فبدا أنها أشبعت جوعا شعرت به طويلا. بدا أنها ما كنت أحتاج إليه بالضبط. شعرت لها بتأثير مطهر ومرطب. فخطر لي أنني إن عصرت بضع ثمرات منها واحتسيت عصيرها حين تكون معدتي خاوية، فربما تفعل بي شيئا جذريا عجزت الأدوية والينابيع الحارة عن تحقيقه.»
Shafi da ba'a sani ba