وضع جيمي الكتاب دون أن ينظر أي صفحة كان يقرأ وفك الخطاب من الشريط الذي ربط الصندوق المستطيل الصغير بأصابعه. وقف ممسكا بالخطاب في يد والصندوق في اليد الأخرى وراح يتأملهما. ثم ظل يتفحصهما. وقلبهما من جانب لآخر، حتى شم رائحة يعرفها منبعثة من الصندوق.
وقبل أن يفتحه أدرك ماذا سيرى. كان مرهف الحس للغاية تجاه الروائح حتى إن عقله أخبره، بينما أصابعه لا تزال تعمل للتأكد من الرسالة، أنه حين يزيح الورقة ويرفع غطاء الصندوق الذي كان بالحجم نفسه الذي يستخدمه بائعو الزهور مع البنفسج، سوف يجد باقة كبيرة من زهور الخزامى الوردية التي تنمو على الرمال التي تحد المحيط الهادئ. سيأتي الآن بكتاب الزهور. وحين يأتي به، كما فعل لاحقا، سيتسنى له معرفة زهرة رعي الحمام الرملي باسمها الحقيقي، وسيعرف أن العبير المنبعث من هذه الزهرة في الساعة السادسة طيب لدرجة أن رائحته قد تسر أنف أي محب للعطور سريعة الزوال. هكذا حمل الزهور الرقيقة وراح يبحث في أغراض سيد النحل حتى عثر على وعاء صغير من النحاس العتيق، فملأه بالماء، ووضع الزهور بحرص.
بعد ذلك أخذ الخطاب وجلس على المقعد وجعل ينزع الختم بتأن وترو. ومرة أخرى شعر جيمي أنه على علم بما سيراه. إن الشيء الذي عجزت العينان والشفتان عن قوله لأن الجهد المبذول في الكلام كان سيطلق شلالا من الدموع، ذلك الشيء هو ما كتب في الخطاب. ولذلك لم يعتره أي شعور بالمفاجأة، وإنما كان سعيدا من أعماق قلبه حين رفع غطاء الظرف المستطيل الثقيل وأخرج ورقة ثقيلة بالمثل ليفتحها ويقرأ ما فيها:
عزيزي السيد ماكفارلين
إن السبب الذي جعلني أتركك من دون أن أقول كلمة واحدة، ومن دون أن أنظر ورائي، هو اضطرار جسدي للحفاظ على شفتي مغلقتين بإحكام وعيني مفتوحتين عن آخرهما حتى لا أجذب انتباه المارة وأسبب لك الخزي بافتعال فضيحة أمام الناس.
أريدك أن تعلم أن ما فعلته لي منحني الحياة، والفرصة للاستمرار في عملي بالثقة نفسها المبنية على الاعتزاز بالنفس التي طالما تمتعت بها. لقد طمأنت قلب امرأة كانت تموت ببطء من الخوف والجزع.
سوف أظل ممتنة لك طوال حياتي على عطفك الليلة الماضية، وتصرفك الفريد اليوم. إذا كنت محقا فيما صرحت به من أنه لم يتبق لك كثير من الوقت لتحياه، فلتطمئن إذن أنني في كل ليلة قبل أن أذهب إلى الفراش سأسأل الله أن يبسط عليك أقصى درجات رأفته ويسبغ عليك أعمق آيات رحمته وأعلاها.
من المستحيل بأي حال أن أعبر عن الشكر المناسب على ما فعلته لي، كما أنني أجده مستحيلا بالقدر نفسه الآن أن يعبر أي شيء أخطه على هذه الورقة عن خالص شكري على المعروف الذي أدين لك به. من كل قلبي أشكرك، وأرجو من الله أن يباركك ويحفظك. أرجو أن تكون مخطئا، وأن تصبح في انتظارك حياة مديدة وسعيدة.
وبعد ستة أسطر، قرأ جيمي المكتوب، فصدم مثل من تلقى لكمة في وجهه. كان مكتوبا بخط مضبوط وواضح وجميل، الخط نفسه الذي تخيل جيمي أن تكتبه اليد التي أمسكها الليلة الماضية، ورآها وهي تكتب بعد ظهر هذا اليوم:
لك امتناني إلى الأبد،
Shafi da ba'a sani ba