زاد اتساع عيني الكشافة الصغير. وسقط الخرطوم من أصابعه الصغيرة. وانتقل بقفزة واحدة إلى فتحة في العريشة. فخرج منها، وركض مسرعا بقدميه الصغيرتين في الممشى الخلفي ومنه إلى الرواق الخلفي والتقطت يداه المرتعشتان طبلة النحل. حين رنا إلى المطبخ كانت الآنسة ورذينجتون جاثية على ركبتيها بجانب السلة تفرز بأصابع متوترة الأوراق والأشياء التي دستها فيها بقليل من التمييز.
فقال قائد الكشافة وهو يلتقط الطبل: «لا شك أنني سأحظى بوقت قصير.» ثم بدأ يعدو سريعا نحو منطقة الفرن، ليتصاعد في نسيم الصباح برفق الإيقاع البطيء: «دوم دوم دوم»، فبدأ يتجمع النحل الذي كان سارحا في الهواء. قادهم الطبل في البدء إلى شجرة برتقال على بعد ثلاث ياردات من الفرن، ثم غير اتجاه مجموعة أخرى ووجههم نحو فرع شجرة تين على الجانب المقابل. «دوم، دوم»، وقف الكشافة الصغير بعينين جاحظتين وشفتين مفترتين في سحابة من النحل، يشاهد سربا ومن بعده سربا آخر. كان الجو ما زال ممتلئا به، لكن كان واضحا للعين الخبيرة أن ملكة كل سرب قد استقرت وكان ذلك كل ما يلزم. «دوم، دوم، دوم دوم دوم.» تنقلت عيناه بين النحل والرواق الخلفي. حتى جاءت؛ بالسلة ممتلئة حتى فاضت، وقد أحاطت بها بيد ممتلئة بعيدان الثقاب، بينما امتلأت اليد الأخرى بالأوراق التي وجب إتلافها. مستترا بستار الأشجار والزهور والعريشة، منحنيا، من دون إحداث جلبة، تسلل الكشافة الصغير عائدا إلى الصنبور، فتأكد من أنه مفتوح إلى آخره، ورمى الطبل، والتقط فوهة الخرطوم الذي كان في اندفاعه بضغط المياه الجارية بتلك القوة مثل تيار جار في أنابيب كبيرة لدرجة الانطلاق بسيارة صغيرة والانتقال إلى أماكن عدة هابطا سفوح الجبال.
ظل الخرطوم يتلوى كأنه كائن حي، فأغلق الكشافة الصغير الصنبور قليلا؛ خوفا من احتمال انفجار الخرطوم.
هرعت الدخيلة في الممشى الخلفي سريعا بقدر ما حملتها قدماها في سبيله المتعرج المنحدر، ثم أسقطت محتويات السلة في الفرن. وألقت فوقها الأوراق المهمة، ثم حكت عود الثقاب وحملته للحظة للتأكد من اشتعاله قبل أن تشعل الأوراق من فوق. وعندما امتدت اليد الحاملة عود الثقاب نحو الأوراق، أصابها تيار من المياه هز قاعدة الفرن وراح يغرق محتوياته كلها من فوره، ثم صاح صوت حاد، علا لأقصى درجة من فرط الهياج: «انتبهي! فأسراب نحل تحيط بك من كل جانب! سوف يلدغك حتى الموت في غضون دقيقة، فرائحتك حقا لن تروق له!»
لم يكن قدر معرفة الآنسة ورذينجتون بالنحل أمرا معلوما. إلا أن الكشافة الصغير أدرك شيئا واحدا؛ إنها تعرف ما يكفي ليجعلها خائفة. فقد نظرت عن يمينها وعن يسارها وقررت المجازفة، حتى مع اقتراب النحل أكثر.
وصرخت: «أغلق ذلك الخرطوم! أغلق ذلك الخرطوم!»
أجابها الكشافة الصغير محتدا: «مستحيل!» وتابع: «فلن تحرقي تلك الأوراق! إنها لا تخصك. فلا تلمسيها. لا تلمسي واحدة منها! إن لمستها فسأصيبك بهذا الخرطوم حتى أطيح بك مباشرة عند النحل الذي وراءك! إنك لا تعرفين قوة ضغط مياه الجبال، لكنني أستطيع أن أفعل ذلك!»
صاحت الفتاة: «أغلق ذلك الخرطوم!» بينما تتشبث بجانب الفرن وهي تنظر بعينين جاحظتين إلى سربي النحل الذي راح يحتشد مقتربا لدرجة تثير الفزع، وتنظر عاليا إلى الجو من فوقها وهو يمتلئ رويدا بأزيز أجنحة النحل الذي شم شيئا لم يرق له، نحل متوتر مسبقا من ضغط مغادرة القفير الذي نشأ فيه، متبعا ملكته إلى موقع جديد.
صرخت الآنسة ورذينجتون: «ما الذي تحاول فعله؟»
فهتف قائد الكشافة: «إنني لا أحاول». وتابع: «إنني أفعل! سوف أنتزع منك الحقيقة أو أطلق عليك سربي النحل، فيلدغونك حتى تصبحي جثة هامدة، لتموتي الميتة الشنيعة التي تستحقينها جزاء لك على ما فعلته بماري الصغيرة. فإنني أعلم من أنت! لقد رأيت صورتك! التي وضعتها هناك في ذلك الفرن. أنت لست ابنة سيد النحل مطلقا! فقد أنجبتك أمك حين أغوته حتى يتزوجها. وأنت تحاولين الادعاء بأنك ماري. تحاولين الخداع حتى تحصلي على هذه الأرض. شاهديه وهو يحيط بك. شاهديه وهو يقترب أكثر! اسمعي أزيزه!»
Shafi da ba'a sani ba