الذى خصصه تخصيصا. وقد أراد بذلك أن يشارك فى تعريف أهل المشرق بقرنائهم من أهل المغرب، بل وإظهار تفوقهم التفوق الذى يضعهم فى مجال المقارنة والفوز.
(ح) كان لمعاصرة ابن سعيد لكثير من شعراء القرن السابع الهجرى الذين قابلهم فى جولاته الكثيرة وسمع منهم قيمة فى توثيق ما رواه من شعرهم وأخبارهم، كما كان لمشاهداته لبيئات هؤلاء الشعراء وإلمامه بطبيعة مجتمعاتهم قيمة فى إيجاد الرابطة بين هذا النتاج الفنى وبين هذه المجتمعات المتعددة والمختلفة فى تقاليدها وعاداتها، وتستطيع أن تضع الباحث أمام مختلف بيئات العالم الإسلامي فى أندلسه ومغربه ومصره وشآمه وعراقه، وعلى الرغم من أن ابن سعيد لم يكن مؤرخا بالمعنى العلمى الحديث كابن خلدون مثلا إلا أنه كان رحالة فطنا دقيق الملاحظة، شمولىّ البصيرة.
وكما كان لهذه المعاصرة أهميتها كذلك كان لقرب عهده من شعراء وكتاب سابقين عليه من القرنين الخامس والسادس الهجريين قيمة حين استطاع أن يطلع على دواوينهم ومؤلفاتهم قبل أن نفقدها خلال مرورها عبر الأجيال. كما كان لصلته برجال عرفوا هؤلاء السابقين أهمية فى توثيق نصوصهم وأخبارهم.
ولهذا اكتسبت مؤلفات ابن سعيد قيمتها الحقيقية، لا من ناحية كمية النصوص التى احتوتها، ولكن من حيث نوعيتها وتعدد بيئتها وأهمية توثيقها وثبوت الأخبار التى ارتبطت بها.
(د) تغلب على شخصية ابن سعيد شخصية الرجل المسامر والنديم المحبب إلى قلوب سامعيه، فقد كان حلو المعاشرة خفيف الظل، فكه الروح، إلى جانب معرفته بأخبار الندماء وحكايات مجالس المسامرة، وقدرته على جذب المستمعين إلى حديثه، مما جعله محبوبا عند مسامريه سواء كانوا من أصحاب السلطة والنفوذ أو من أقرانه من رجال العلم والأدب، وأخباره فى مجالسه بتونس عند أمرائها الحفصيين أو رجالها مثل أبى العباس الغسانى، أو أحمد بن يوسف التيفاشى تدل
1 / 18