وكان من هذا الوجه فقيرًا إلى ما يمده ويشده، وأما سنخه وسوسه فهو موجود ثابت، مقابل لذلك العالم الموجود الثابت. وإنما عرض ما عرض لأن أحدهما مؤثر، والآخر قابل، فبحق هذه المرتبة ما وجد التباين، وبحق تلك المرتبة ما وجد التواصل.
وقال آخر: وقد يغفل، مع هذا كله، المنجم اعتبار حركات كثيرة من أجرام مختلفة؛ لأنه يعجز عن نظمها وتقويمها، ومزجها وتسييرها، وتفسير أحوالها، وتحصيل خواصها، مع بعد حركة بعضها، وقرب حركة بعضها، وبطئها وسرعتها، والتفاف صورها، والتباس مقاطعها، وتداخل أشكالها، ومن الحكمة في هذا الإغفال أن الله تقدس إسمه، يتميز بذلك القدر المغفل، والقليل الذي لا يؤبه له، والكثير الذي لا يحاول البحث عنه، أمرًا لم يكن في حساب الخلق، ولا فيما علموا فيه القياس واختلط بالتقدير والتوهم.
قال: ولهذا يحكم هذا الحاذق في صناعته لهذا الملك، وهذا الماهر في علمه لهذا الملك، ثم يلتقيان فتكون الدائرة على أحدهما، مع شدة الدفاع، وصدق المصاع. هذا وقد حكم له بالغلب والظفر.
قال في هذا الموضع النوشجاني: إنما يؤتى أحد الحاكمين لأحد الملكين، لا من جهة غلط في الحساب، ولا من قلة مهارة في العمل، ولكن يكون في طالعه أن يصيب في ذلك الحكم، ويكون في طالع ذلك الملك ألا يصيب منجمه في تلك الحرب؛ فمقتضى حاله وحال صاحبه يحول بينه وبين الصواب، ويكون الآخر مع صحة حسابه وحسن إدراكه، قد وجب في طالع نفسه وطالع صاحبه ضد ذلك، فيقع الأمر الواجب، ويبطل الآخر الذي ليس بواجب. وقد كان المنجمان من جهة العلم والحساب أعطيا الصناعة حقها، ووفيا ما عليهما فيها ووقفا موفقًا واحدًا على غير مزية بينة؛ ولا علة قائمة
1 / 127