أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أُعَاهِدُ اللَّهَ أَنْ لَا أَعُودَ فِي طَعَامٍ بَعْدَهُ أَبَدًا. فَتَحَوَّلَ إِلَى بَزِّ مِصْرَ، وَأَمَّا مَوْلَى عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمْوَالنَّا نَشْتَرِي بِهَا إِذَا شِئْنَا، وَنَبِيعُ إِذَا شِئْنَا، فَزَعَمَ أَبُو يَحْيَى أَنَّهُ رَأَى مولى عمر مجذوما [مشدوخا] ١.
_________
= وفيه: أبو يحيى المكي. قال الذهبي في "الميزان": أَبُو يَحْيَى الْمَكِّيُّ، عَنْ فَرُّوخَ مولى عثمان في الاحتكار، لا يعرف، والخبر منكر.
وفروخ: عن عمر بن الخطاب، روى له ابن ماجه؛ لا يعرف، روى عنه أبو يحيى، رجل مكي، في ذم الاحتكار.
والحديث أخرجه: أحمد في "مسنده" "١/ ٢١"، وابن ماجه في التجارات، باب: الحكرة والجلب "حديث رقم ٢١٥٥" من طريق الهيثم به مختصرا.
وقد حسَّن الحافظ ابن حجر هذا الحديث كما في "الفتح" "٤/ ٣٤٨"، ولا وجه لتحسين الحافظ ابن حجر للحديث.
أما الاحتكار، فإمساك الطعام عن البيع وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه، وحاجة الناس إليه، قاله الحافظ "فتح" "٤/ ٣٤٨".
وقد أخرج مسلم من حديث معمر بن عبد الله، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ: "لا يحتكر إلا خاطئ" "ص١٢٢٨".
وقال النووي في "شرح مسلم" "١١/ ٤٣": قوله، ﷺ: "مَنْ احتكر فهو خاطيء"، وفي رواية: "لا يحتكر إلا خاطئ"، قال أهل اللغة: الخاطئ بالهمز: هو العاصي الآثم. وهذا الحديث صريح في تحريم الاحتكار، وقال أصحابنا: الاحتكار المحرم هو: الاحتكار في الأقوات خاصة، وهو: أن يشتري الطعام في وقت الغلاء للتجارة ولا يبيعه في الحال، بل يدخره ليغلو ثمنه، فأما إذا جاء من قريته أو اشتراه في وقت الرخص وادخره، أو ابتاعه في وقت الغلاء لحاجته إلى أكله، أو ابتاعه ليبيعه أول وقته؛ فليس باحتكار، ولا تحريم فيه، وأما غير الأقوات فلا يحرم الاحتكار فيه كل حال. هذا تفصيل مذهبنا.
قال العلماء: والحكمة في تحريم الاحتكار: دفع الضرر عن عامة الناس، كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام واضطر الناس إليه، ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه، دفعا للضرر عن الناس، وأما ما ذكر في الكتاب عن سعيد بن المسيب ومعمر راوي الحديث: "أنهما كانا يحتكران"، فقال ابن عبد البر وآخرون: إنما كانا يحتكران الزيت. وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه والغلاء، وكذا حمله الشافعي وأبو حنيفة وآخرون، وهو الصحيح.
_________
١ من "س"، والشدخ: الشيء الأجوف، تقول: شدخت رأسه فانشدخ "النهاية" مادة "شدخ"، وفي "ز": مخدوجا.
1 / 70